يحب المرء منا ما أوتي من متاع الحياة الدنيا وزينتها، وينافس في ذلك، بل ويعادي ويوالي من أجلها زينتها ومن زينتها المال {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (46) سورة الكهف، والكل يحب المال {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (20) سورة الفجر، ومنا من أسرف؟ وبالغ في حبه للمال وهم الأكثرون عدداً فهم يذكرونه في مجالسهم، وطرقهم وسياراتهم وعبر جولاتهم وعلى موائدهم وفي وظائفهم الحكومية، بل وحتى في مساجدهم، وللأسف الشديد حتى أصبح شغلهم الشاغل، لقد تسابق الكثيرون منا إلى جمع المال وطلبه بشتى الطرق؛ خوفاً من الفقر عند أقوام، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما الفقر أخشى عليكم) وتكّثر عند آخرين. مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إلا من قال به هكذا وهكذا وهكذا) وتنافساً ومنافسة عند فريق ثالث حتى النساء اليوم اشتغلن بذكر المال، وأصبح المال همهن وشغلهن الشاغل، فتجد بعضهم عند كل مساهمة تجارية يتنافسون، وعند كل عقارٍ يحضرون، وعلى كل باب بيت يجتمعون، ولكل خبرٍ تجاريٍ يتسمعون، حتى اخذ المال قلوبهم، وأعمى أبصارهم، فعلى ذكره يصبحون، ويمسون، بل وينامون، حتى ولو كانت تجارة مشبوهة أو مساهمة مغلوطة وأحسنهم حالاً اليوم الذي يسأل عن المجيزين إن كان ثمة سؤال ويترك المانعين (أيها القراء) المال فتنة في تحصيله، وفي تمويله، وفي أنفاقه، أما في تحصيله فالمراد في كسبه أمن حلال أو حرام؟ وبعض الناس لا يهمه من أين اكتسبه أمن حرام أو حلال. فبعض الناس الحلال ما حل بيمينه سواء كان في غش أو تدنيسٍ أو أكل للأموال بالباطل! ومن الحرام- الغش في البيع والشراء! وما أكثر الغش اليوم عند كثير من المؤسسات التجارية أو الشركات أو عند المقاولين أو غير ذلك مما يطول ذكره وتعرفونه أكثر مني. ومن الحرام أخذ الرشوة كأن يأخذ الرشوة بعض العاملين في الدولة بمسمى الهدية: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } (142) سورة النساء فيأخذها على أنها هدية من مواطن أو من بعض العاملين معه في القطاع . وهي حرام في حرام، يأكلها حراماً. ومن الحرام سرقة أموال الدولة بحجة أنها ليست لأحد، وهذا من الغل والغلول الذي حرمه الله ومن الحرام عدم القيام الموكل به أكل المال إزاء عمله وعدم القيام بذلك العمل (كالأجير عند الدولة أو عند أي مؤسسة) وبعضهم يأكل المتشابه غافلاً أو متغافلاً عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن أتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام..) الحديث وبعض الناس المولعون بالمال وذكره وجمعه وتحصيله وكنزه وادخاره يقول أحافظ على صلواتي وفعلاً هو يحافظ عليها لكنها جوفاء من غير خشوع ولا حضور قلب؛ لأنه وهو في صلاته يفكر في رصيد حسابه أزاد أم نقص يفكر في صلواته وهو بين يدي الله بالعقار الفلاني أو المساهمة الفلانية، وهذا الذي هذه حالته الحقُ أنه لم يصلي لأنها صلاة جوفا، قلبه وذهنه وروحه مع أمواله! والمال فتنة في إنفاقه والناس على فريقين: اثنين في إنفاق المال اليوم فمنهم المسرف، الذي يخوض في مال الله ولا يسأل! بشراء السيارات باهظة الثمن والمراكب الغالية، من أجل أن يفاخر الناس أنه يركب السيارة الفلانية. وهي بمئات الألوف إن لم تصل الملايين! واقتنى بعض الحيوانات كمن يتفاخرون بالإبل أو بعض الحيوانات كالطيور، وهذا الذي هذه حالته إنما يخوض في مال الله، وهو تحت وعيد الله، حتى وإن كان الكسب حلالا! ومن الخوض في مال الله إنشاء المباني الفاخرة والاستراحات فأخذ الناس يتفاخرون في تزيين بيوتهم وينفقون في ذلك ملايين الريالات! مع أنهم قد يقصرون فيما أوجب الله عليهم . ولقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (كل شيء يؤجر فيه ابن آدم إلا البنيان ) الحديث رواه الترمذي وصححه الألباني ومن الإسراف اقتناء بعض الملابس غالية الثمن مع أنها قد تقتنى في أقل من ذلك؛ كالملابس والساعات وبعض المقتنيات للنساء وغير ذلك مما تعرفونه! ولو وسعنا الدائرة أيضاً لتكلمنا عما يفعل اليوم في عقود اللاعبين. وغير ذلك مما تعرفونه أكثر مني! وهذا الأمر جدُ خطير، يحتاج منا أن نراجع حساباتنا، وآلا نغتر بأموالنا وصحتنا. والله يقول: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (33) سورة النور؛ فالمال ماله والأمر أمره ونحن عبيده؛ ومنهم البخيل / الذي منع حق الله كزكاة المال النقدين، أو عروض التجارة كالأراضي مثلاً، فإن بعض الناس عنده عقار، أي أراضي في مواقع متعددة من أجل البيع والشراء، ومع ذلك لا يخرج زكاتها ويريد أن يخادع ربه! بقوله إنها استراحة ينشئها، أو سأبني منزل على تلك الأرض. تمر السنون وهو لم يخرج زكاة ماله! ولابد أن نعرف أن العقار عليه زكاة أي أن الأراضي التي نشتريها من أجل البيع والشراء أو من أجل أن يرتفع سعرها في مستقبل الأيام أن عليها زكاة تخرج كل عام أي إذا مضى عليها عام فعليها زكاة، ومن الناس من ضيق على زوجته ومن تحت يده، أو حتى على نفسه بخلاً وهو يدعى إلى الأنفاق: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءْ} (38) سورة محمد.