يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) الأعراف. عنوان المقال: «الإسراف في الغذاء وهدر الطاقة»، فهل هناك علاقة مباشرة بين هذين الأمرين؟ نشرت مؤخراً منظمة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأممالمتحدة (الفاو) تقريراً يشير إلى تقديرات مخيفة لكميات الطعام والمواد الغذائية الأخرى التي - مع الأسف الشديد - تُرمى سنوياً كنفايات على مستوى العالم بأكثر من 1.3 مليار طن (1300 مليار كيلو غرام)، وهو ما يعادل أكثر من 35% مما يُنتج عالمياً من الغذاء سنوياً.. كما ذكر تقرير آخر بريطاني أن ما بين 30% و50% من الأربعة مليارات طن من الغذاء المُنتجة سنوياً عالمياً تُرمى في النفايات، وأن نصف الغذاء الذي يتم شراؤه في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية يُرمى في النفايات. وبالرغم من عدم وجود دراسات مماثلة في الدول العربية، وبالأخص في دول الخليج العربي التي حباها الله بالنعم والثروات, إلا أنه من المتوقع أن تكون النسبة في دول الخليج العربي أكبر من ذلك بكثير. بالإضافة إلى المسألة الدينية والأخلاقية المتعلقة برمي هذه الكميات المخيفة من الطعام في الوقت الذي نجد فيه مجاعات في قارة أفريقيا، تساءل تقرير منظمة الفاو عن كمية الطاقة المُهدرة المُستخدمة في هذه العملية اللا أخلاقية ابتداءً بالطاقة المُستخدمة لإنتاج المياه المُستخدمة في زراعة هذه المحاصيل، والطاقة المُستخدمة لزراعة وحصد ونقل هذه المحاصيل للأسواق المحلية والعالمية وبيعها وطبخها والتخلص منها، ومن ثم جمعها وحرقها مع النفايات الأخرى، وما يصدر من خلال هذه العملية من غازات تلوث البيئة. الحقيقة أنني خلال السنين العديدة التي كتبت فيها عن مواضيع ترشيد الطاقة بأنواعها وتطرقت لجوانب عديدة للترشيد، لم يخطر ببالي أن الإسراف في الغذاء والماء وبالأخص ما نشاهده في حفلات الزواج له علاقة طردية ومباشرة بهدر الطاقة. وبالرغم من بعض الجهود المشكورة التي تقوم بها بعض الجمعيات الخيرية وبنوك الطعام (إطعام) في دول الخليج العربي وبعض دول العالم، وذلك للاستفادة من كمية الغذاء المُهدر لإطعام بعض الفقراء، فإن الواقع في هذه الدول يُشير إلى أن ما يُستفاد منه قليل جداً، وذلك إما لعدم تواجد هذه الجمعيات في جميع المدن أو لافتقار بعض الدول للبنية التحتية الكافية لنقل وحفظ وتخزين هذه الأطعمة. كذلك نجد في دول الخليج العربي الكثير من الطعام المُهدر خصوصاً بعد حفلات الزواج، وذلك لتأخر وجبات العشاء لدى حفلات النساء لأوقات متأخرة من الليل، بل قد تصل الى ما بعد الفجر، فلا تجد أحداً يستفيد منه، فيُرمى مع النفايات وتستمر ظاهرة الإسراف وما يتبعه من هدر للطاقة. فإن لم تستطع الآيات الكريمات والأحاديث النبوية التي تحث على عدم الإسراف، ولم تستطع هذه الجهود المبذولة من قبل الجمعيات الخيرية القضاء على هذه الظاهرة السلبية في مجتمعاتنا بسبب الجهل، فحبذا لو يتم الاستفادة من هذه النفايات عن طريق توليد الطاقة منها أو ما يُطلق عليه (البيوماس أو الطاقة الحيوية).. ولعل الإستراتيجية الوطنية للطاقة التي تشرف عليها مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والطاقة المتجددة تشمل هذا النوع من الطاقة، ولعل ذلك يكون تكفيراً لذنوبنا بسبب الإسراف وعدم سيطرتنا على هذه الظاهرة. وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (11) الرعد، أدعو نفسي وأعزائي القراء بأن نكون قدوة في عدم الإسراف في الطعام والشراب والحفاظ على بيئتنا وطاقتنا ومواردنا الطبيعية، وأن نحث غيرنا على ذلك فإنه - بلا شك - من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. www.saudienergy.net Twitter: @neaimsa