قضية مفزعة مايفعله البشر في زماننا هذا وهو التخلص ممّا يقارب نصف الطعام المنتج في العالم في صورة نفايات إما بسبب ضعف البنية التحتية وعدم توفر وسائل التخزين، أو بالالتزام المطلق بموعد الصلاحية أو بسبب "اشتري الأول واحصل على الثاني مجاناً" أو مزاج المستهلك. في تقرير لمعهد المهندسين الميكانيكيين بالمملكة المتحدة (أعضاؤه حوالي مائة ألف ونشرته جريدة الجارديان اللندنية وغيرها الخميس 10 يناير 2013م) انه في كل عام ينتج العالم حوالي 4 بلايين طن من الأطعمة، لا يؤكل منها ما يعادل 2 بليون طن (أي نصفها)، ففي بريطانيا 30% من محصول الخضروات لا يتم حصده لرفض تجار الأسواق شراءه لأن "منظره" لن يعجب الزبائن، ونصف الطعام المشترى في أوروبا والولايات المتحدة يلقى في النفايات، وهناك 550 بليون متر مكعب من المياه تهدر على محاصيل لا تصل إطلاقاً للأسواق، وبحلول العام 2050م ستصل حاجة المياه لإنتاج الطعام إلى 13 تريليون متر مكعب وهي تعادل ثلاث مرات ونصف الكمية التي يستهلكها الإنسان حاليا مما يعني نقصاً حرجاً خطيراً في كمية المياه في ذلك الوقت القادم. وهذا الطعام كان يمكن الاستفادة منه لتغذية الزيادة المتنامية للسكان في العالم وكذلك الجوعى في الوقت الحالي، ولاشك فإنه إهدار غير مبرر للأراضي والمياه ومصادر الطاقة المستخدمة في إنتاج وتحضير وتوزيع الطعام، وألقى التقرير باللوم على سوء الهندسة والممارسات الزراعية، وقصور وسائل النقل والتخزين ورغبات الأسواق في "شكل" الطعام وتحفيز المستهلك على الشراء دون الحاجة، وناشد التقرير الحكومات ووكالات التنمية والمؤسسات كالأمم المتحدة للعمل سويا على المساعدة في تغيير عقلية الشعوب تجاه هدر الطعام وتوجيه المزارعين والتجار والمستهلكين باتخاذ موافق إيجابية والمساهمة في عدم التخلص من الطعام لأسباب غير جوهرية. وماذا عن دورنا نحن؟ إننا جزء من هذا العالم نؤثر فيه ونتأثر به، ولايختلف إثنان في أن لدينا مشكلة في استهلاكنا للطعام والماء، تحكمها العادات والتقاليد والأعراف ولا تمت للشرع أو الطب أو الحاجة بصلة، فنحن في أمسّ الحاجة إلى تغيير مفاهيمنا وثقافتنا عن طعامنا، لا بأس بالتدريج وإن كانت الفورية هنا مرغوبة، وكل رب بيت يعرف جيدا كمية استهلاك أفراد أسرته في الوجبات، وبدل أن تجد الزيادة طريقها إلى براميل النفايات لماذا لا تستهلك في وجبة تالية؟ كذلك لا نشتري بغرض التخزين فقد تنتهي الصلاحية دون الاستفادة، وعلينا تحاشي الإسراف والبذخ في المناسبات والحفلات وخصوصا حفلات الزواج، وما قد يزيد تنتظره الجمعيات الخيرية، وبهذا نكون قد أرضينا ربنا، وأطعنا رسولنا، وعضدنا اقتصادنا، وأفدنا أمتنا، وراعينا بيئتنا، وأعنا عالمنا. * وكيل كلية الطب للشؤون السريرية جامعة الملك خالد