قال الله تعالى: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}. اعلم -أخي القارئ الكريم- أن علامة رضا الله تعالى عن العبد، هي رضا العبد عن ربه.. قال ابن القيم رحمه الله «فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده: رضا قبله أوجب له أن يرضي عنه، ورضا بعده هو ثمرة رضاه عنه». واعلم أن للرضا علامات تعرف بها إذا كنت راضٍ عن ربك أم لا....» أذكر منها باختصار: 1- استقبال الابتلاء من الله سبحانه بالطمأنينة والسكينة والرضا والقبول. 2- موافقة ربك سبحانه وتعالى في قدره والتماس رضاه. 3- أن يحب ما يناله من ربه ولو خالف هواه.. فاختيار الله لك فيما تكره خير من اختيارك لنفسك فيما تحب، لأنه سبحانه أعلم وأحكم، {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. 4- ترك الاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره سواء بلسان الحال أو بلسان المقال والأفعال. 5- ألا تخاصم ولا تعاتب وعليك أن ترضى وتسلم لما قضاه الله تعالى عليك وقّدَّرَه. 6- الاستغناء بالله وحده سبحانه وعدم سؤال الناس شيئاً.. فالله سبحانه وتعالى هو من يسخر لك من تحتاج له من الخلق. 7- التخلص من أسر الشهوة ورغبات النفس، فنفسك دائماً تلح عليك لتحقق رغباتها، مما قد يوقعك في المعاصي وبالتالي تتسخط على قدر الله تعالى.. فلو أنك جاهدت نفسك من البداية، سيسلم لك قلبك وتعيش راضياً عن الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}. إذاً كيف تكون راضياً عن الله تعالى؟. إن طريق الوصول إلى منزلة الرضا، يبدأ ب: أولاً اعرف ربك: فعندما تعرف ربك ستحبه، وإذا أحببته سترضى عنه وعن كل ما قدره لك.. وكلما ازددت قرباً من ربك زاد، حبك له سبحانه حتى يتملك حبه كل ذرة في وجدانك.. عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري رحمهما الله، فقال سفيان: يا أبا سلمة أترى يغفر الله لمثلي؟. فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبَوَي لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبَوَي، وذلك أن الله تعالى أرحم بي من أبوي.. فالله سبحانه أرحم بك من أمك وأبيك، ولو علمت الحكمة من ابتلائه لك لما تسخطت على قدره.. فقد يبتليك ليغفر لك ذنوبك قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» أو لكي يرفع درجتك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يُبَلَّغه إياها».. فعملك لن يبُلغك تلك المنزلة العالية، ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بك أن يبتليك لكي تصل.. فقدر الله لا يأتي إلا بخير.. فعليك دائماً وأبداً أن تقول من قلبك: رضيت بالله رباً. ثانياً: بُث شكواك إلى ربك وفوض أمرك إليه وحده دون غيره من المخلوقين فلا تشتكي لأحدٍ سوى ربك، فهو سبحانه يجب أن يسمع أنينك وهو وحده القادر على أن يفرج كربك وييسر أمرك ويسخر لك من تحتاج له من الخلق. ثالثاً: القيام بأعمالٍ يحبها الله تعالى ويرضى عن فاعلها، ومنها: 1- بر الوالدين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين» وبرهما يكون في حياتهما وبعد موتهما، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليها يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما،.. وإنفاذ عهدهما -أي وصيتهما- من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» (رواه أبو داود). 2- شكر الله تعالى نِعَمِهِ.. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها». 3- الرفق وعدم العنف.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه مالا يعين على العنف.. والرفق ما كان في شيء إلا زانه»، فعليك أن تكون هادئاً في معاملتك للناس، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك. 4- كظم الغيظ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا...». 5- الإصلاح بين الناس، قال الله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}. 6- القيام بالأعمال الصالحات بشكل عام والمداومة عليها قدر الاستطاعة من صلاة وصيام وصدقة وتفكر في مخلوقات الله تعالى وغيرها من الأعمال الصالحة من غير تكلف. وأختم مقالي بهذا الحديث العظيم وهو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: (لقد سألت عن عظيم، وأنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) أي فمن قام بهذه الشرائع الخمس وكملها استحق دخول الجنة والنجاة من النار، ثم قال له مبينا لأمته أبواب الخير: (ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل)، ثم تلا قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} -إلى قوله- {يعملون} ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله)؟ قلت: «بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه فقال: كف عليك هذا، قلت: يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فانظروا، رحمكم الله، ما أسهل هذه الشرائع وأيسرها وما أعظم ثوابها وأجرها وما أكملها.. {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، اللهم أجعل أنفسنا طائعة مطمئنة لك تؤمن بلقائك وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وتخشاك حق خشيتك.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.