قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط في خطبة الجمعة أمس في المسجد الحرام//إنه إذا كان في الناس من يحمله الاغترار بالحياة الدنيا والإخلاد إلى الأرض واتباع الهوى والجهل بصحيح الاعتقاد إلى الخوف من كل ما يعده خطرا يدهمه أو شرا ينزل بساحته أو عائقا يقوم دون بلوغ آماله والظفر بحاجاته فإن من عباد الله من يسلك الجادة ويمشي سويا على صراط مستقيم مجانبا سبل أهل الحيرة التذبذب حائدا عن طريق أهل الشك وضعف اليقين ,إنهم الذين يسيرون إلى الله تعالى سير من عرف ربه فأقبل عليه لا يخاف أحدا سواه ولا يرجو إلا إياه إنهم الذين علموا أن منزلة الخوف هي من اجل منازل العابدين ربهم المستعينين به وانفعها للقلب وأعظمها أثارا على حياة الخلق في العاجلة والآجلة وأنها فرض على كل بني ادم كما دل على ذلك قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) وقوله عز اسمه(فلا تخشوا الناس واخشوني) كما أثنى سبحانه بجميل الثناء على أهل هذا الخوف ومدحهم بقوله سبحانه (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) ذلك أنهم كما قال الحسن رحمه الله عملوا بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم إن المؤمن جمع إحسانا وخشية وإن المنافق جمع إساءة وأمناً أي من العقوبة. وأثنى الله تعالى بهذه الصفة باتصاف الملائكة المقربين بهذه الصفة وقال سبحانه (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) وأثنى على النبيين صلوات الله وسلامه عليهم حيث امتدحهم لاتصافهم بهذه الصفة بقوله (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) ولما كانت الخشية خوفا مقرونا بمعرفة وعلم فإنه على قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الخلق خوفا من ربه وأعظمهم خشية له كما صرح بذلك في الحديث (فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) وقال خياط وصف الله تعالى العلماء بأنهم الذين يخشون الله حقا فقال سبحانه(ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) ولقد نشأت هذه الخشية من علمهم بأنه سبحانه مالك الكون كله له مقاليد السموات والأرض إليه يرجع الأمر كله وأنه المدبر لأمور المخلوقات كلها وأنه الحي الذي لا يموت القيوم الذي تقوم الخلائق كلها به وتفتقر إليه بخلاف غيره, فهو عاجز وفان لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وأن الخلق جميعا وسائط لإيصال ما كتبه الله وقدره من أقدار كما جاء بيان ذلك ضافيا في الحديث ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف). وأضاف : إن الخوف ليس مقصودا بذاته بل هو مقصود لأمر آخر فهو وسيلة وطريق وليس غاية أو هدفا ولذا فإنه يرتفع بارتفاع المخوف منه ولذا كان من حال أهل الجنة أنهم لا خوف عليهم ولا يحزنون فيها لزوال الخوف من العقاب وحلولهم دار المقامة والثواب فضلا من الله تعالى وإكراما منه لهم جزاء صبرهم على طاعته وحذرهم من معصيته ولهذا كان الخوف المحمود الصادق كما قال أهل العلم هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط الذي نهى الله عنه مبينا انه من صفات الكافرين فقال سبحانه (انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) فالقلب كما قال أهل العلم في سيره إلى الله عز وجل هو بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء. وعند الخروج من الدنيا أن يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف وأكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحب فالمحبة هي المركب والرجاء حائد والخوف سائق والله الموصل بمنه وكرمه. وأكد فضيلته أن من أعظم ما تتعين العناية به ورعايته حق رعايته بمصرف الجهود إليه وكمال السعي لتحصيله تربية القلب على محبة الله سبحانه وتعالى ومخافته ورجاء فضله بقوة الإيمان به وتجريد توحيده في ربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته والعلم بما أعده للمتقين في دار كرامته من نعيم مقيم وما أعده للعاصين من عقوبة وعذاب اليم وبدوام محاسبة النفس لكبح جماحها وإقامتها على الجادة وأطرها على الحق وحجزها عن الباطل في كل صوره وألوانه. وقال: إن الخوف من الله يعظم أمنا لأنه باعث على إخلاص العمل وإحسانه ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه والحذر من المخالفة عن أمره والحرص على كل ما يرضيه والحذر من كل أسباب سخطه وفي هذا أمن الخائف وسلامة السالك إلى الله ونجاة السائر إليه من العثار والفوز عنده بالجنة والنجاة من النار وفي المدينةالمنورة أوضح فضيلة الشيخ علي الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي أن العباد يتفاضلون عند ربهم بالتمسك بدينهم الحق وأخلاق الفضل والصدق كما قال تعالى (ولكل درجات مما عملوا) ، وفي الحديث القدسي عن الرب تبارك وتعالى أنه قال (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). وقال في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي أمس: إن خلق الصبر خلق كريم ووصف عظيم وصف الله به الأنبياء والمرسلين والصالحين فقال تعالى (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) ، وعن أنس مرفوعاً (الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر). وبين فضيلته أن الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك وأن معنى الصبر حبس النفس على الطاعة وكفها عن المعصية على الدوام وحملها على طاعة الله تبارك وتعالى دائماً. مشيرا إلى أن الصبر أنواع متلازمة فمن أعظم أنواع الصبر الصبر عن المعصية والمحرمات ، قال تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار). وقال : أكثر الناس يقدر على فعل الطاعة ويصبر عليها ولكن لا يصبر عن المعصية فلقلة صبره عن المحرم لا يكون من الصابرين ولا ينال درجة المجاهدين الصابرين فلا يعصم من ورود الشهوات إلا الصبر القوي والورع الحقيقي والمسلم إذا لم يكن متصفاً بالصبر فقد تأتي عليه ساعة تلوح له فيها لذة عاجلة أو منفعة قريبة أو شهوة عابرة أو كبيرة موبقة فتخور عزيمته وتضعف إرادته ويلين صبره فيغشى المحرم ويقع في الموبقات فيشقى شقاء عظيماً ويلقى عذاباً أليما. وأفاد الشيخ الحذيفي أن النوع الثاني من الصبر هو الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى بالصبر على أدائها وإصابة الحق فيها والصبر على المداومة عليها ، قال الله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) قال الحسن البصري رحمه الله أمر المؤمنون أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا رضاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا الأعداء الذين يكرهون دينهم وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات على أمر الله فلا يضيع. وأوضح أن النوع الثالث من الصبر وهو الصبر على الأقدار والصبر على المصائب والمكاره التي تصيب العباد في هذه الدنيا وذلك الصبر لا يكون محموداً إلا مع الاحتساب وابتغاء الأجر من الله تبارك وتعالى وأن يعلم بأن المصيبة مقدرة من الله عز وجل وأن من صبر أُجر وأمر الله نافذ ومن جزع وتسخط أثم ، قال الله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ، وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة). ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). ولقد أمر الله بالصبر في آيات كثيرة من كتابه فأمر بالصبر أمراً مطلقاً كما في قوله تعالى (واصبر وما صبرك إلا بالله) ، وأمر بالصبر في أمور مخصوصة لشدة الحاجة إلى الصبر فيها فأمر بالصبر لحكم الله تعالى الشرعي والقدري ، قال الله تعالى ( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) ، وأمر بالصبر على أذى الكافرين ، قال الله تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ). وأمر بالصبر على ما يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما في ذلك من المشقة ولأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يرى الناس أنه يحول بينهم وبين أهوائهم ومنافعهم والمنفعة والمصلحة هي فيما أمره الشرع وأمر به والمفسدة هي فيما نهى عنه الشرع ، قال الله تعالى (يا بنيّ أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ). وأمر بالصبر من ولي شيئاً من أمور المسلمين قليلاً كان أو كثيراً فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لقد أُوذي موسى بأكثر من هذا فصبر). وأمر الله المسلم أن يستعين بالله في التخلق بالصبر والتمسك بالطاعة ، قال الله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) ، وأمر أيضاً أن يعود نفسه على خلق الصبر في كل حالة وأمر من الأمور وفي شأنه كله فإن العادة تُساعد على الخلق ففي الصحيحين ( ومن يتصبر يُصبره الله ومن يستغن يغنه الله) ، ووعد الله على الصبر أعظم الثواب والنجاة من العقاب فقال عز وجل ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).