تنساب في ذاكرتك سمفونية من أغنيات تراث جيزان، وأنت في طريقك إلى سوق «الحلة» الشعبي، تُشكّل أمامك صورة لهذا السوق بكامل طقوسه الخارجة من عبق (أرض الفل والكادي) وعفوية الباعة والمشترين، فكل شخص من رواد السوق يشدو بطريقته الخاصة، فيما تنتشر تلك الرائحة من أقصى مساكن الفل في أرجاء البسطات الصغيرة المنتاثرة في مساحة تزدحم بوجوه مختلفة. «الجزيرة» تجولت في سوق «الحلة» الذي يقع في جنوب «العاصمة» بجوار مقبرة العود، ويبدأ الحراك فيه من الساعة السابعة صباحاً إلى قبيل صلاة المغرب، حيث يبدأ بالمغيب إيذاناً بمغادرة الباعة وتحميل مركباتهم بما يتبقى من بضائعهم. «سوق الحلة» استطاع أن يصمد أمام رياح الزمن ويحافظ على رونقه ويبوح بأسراره للوافدين إليه من أهالي جيزان لشراء حاجاتهم، متمثلة في النباتات العطرية مثل «الفل، والكاذي، والبعيثران، والشيح والوالة» نوع من الروائح العطرية تستخدم في الأفراح، إضافة إلى المنتجات المحلية مثل «الموز البلدي، والعنب، والمانجو، والفركس الجبلي، والزبيب، والفلفل والحلبة، والسمك، والسمن البلدي، والعسل، وزيت السمسم» كذلك الحرف اليدوية والأواني التراثية «المغاش» تصنع من الفخار وتُستخدم في طهي اللحوم، و»المطاحن» تصنع من الحجر وتستخدمها النساء لطحن الحبوب، و»الصحاف» تصنع من الخشب وتطلى بالقطران وتستخدم في شرب الماء، و»البرم» تصنع من الفخار وتستخدم في طهي اللحوم، إضافة إلى المصنوعات مثل «المهجان» المصنوع من الخصف سعف النخيل وتضعه المرأة تحت المطحنة أثناء طحن الحبوب، و»الملكد» النجر ويصنع من الحديد ويستخدم في طحن الهيل والبهارات، و»الميفا» ويصنع من الفخار ويستخدم لطهي اللحوم والسمك والحبوب. وباحت «أم سامر» إحدى البائعات في السوق بأنها تقوم بتشكيل عمل بمجموعة من الروائح العطرية من «المخاضر» المكونة من الوالة وهي نبتة ذات رائحة عطرية تجفف وتُضاف «للبعيثران» التي تستعملها النساء والرجال في كل المناسبات وبخاصة الأعراس والختان. وأكدت «أم سامر» أن السوق يُمثل مصدر رزق لها وعائلتها، مشيرة إلى أن جميع المنتجات بالسوق تأتي من منطقة جيزان يومياً عن طريق الطيران، مشيرة إلى أن السوق يقصده أعداد من المتسوقين لقاء احتياجاتهم. وقال البائع مطاعن محمد إن السوق يفتح من الصباح الباكر من كل يوم ولكن المرتادين قليل بخلاف يومي الخميس والجمعة، حيث يعج خلال هذين اليومين بالضجيج كأنما هو لحن ممزوج بين غناء الباعة ومفاصلات البيع والشراء التي تتم بأصوات عالية. وقال محمد إدريس: لقد عرفت سوق «الحلة» الشعبي في مدينة الرياض منذ قديم الزمان، وهو سوق للتراث والأدوات الشعبية التي ما زالت تُشكّل حضوراً كبيراً في البسطات مثل الخصف، والأواني الفخارية، إضافة إلى بيع المنتجات المحلية مثل «السمن والعسل، والذرة، والدخن». وأكد محمد أنه يحرص من خلال زيارته للسوق خصوصاً يومي الخميس والجمعة على اقتناء الأكلات الشعبية مثل «اللحوح، والحلبة»، وكذلك الحلويات مثل «المشبك، وحلوة الحلقوم». وقالت أم عبد الله، أزور سوق «الحلة» كل يوم «جمعة» منذ أكثر من 20 سنة وقد ارتبط وجداني بالسوق، فلا بد أن أحضر إليه كي أتنفس عبقه الشعبي ومشاهدة طقوسه التي تختلف عن بقية الأسواق الموجودة في الرياض، مشيرة إلى أن السوق يجذب كل أهل جيزان بالمعروضات التراثية الجميلة، خصوصاً الأواني الفخارية التي تشتهر بها المنطقة كإرث تاريخي جميل.