قال الرئيس الأمريكي أوباما في خطاب تنصيبه لولاية ثانية «سوف ندعم الديمقراطية في أرجاء العالم من آسيا إلى أفريقيا، ومن دول الأميركيتين إلى الشرق الأوسط، لأن مصالحنا وضميرنا تملي علينا أن نهب للذود عن أولئك الذين يتوقون للحرية. وينبغي علينا أن نكون مصدر أمل للفقراء والمرضى والمهمشين وضحايا التعصب، ليس بواعز من الشفقة، وإنما لأن السلام في عصرنا يتطلب النهوض المتواصل بهذه المبادئ التي تمليها عقيدتنا المشتركة: التسامح والفرص وحقوق الإنسان والعدالة». مبادئ إنسانية عالية، نتوق إلى أن نراها مطبقة في العالم كله؛ لكن الكلام الجميل المنمق شيء وما تمارسه أمريكا من خلال سياساتها في منطقة الشرق الأوسط - على الأخص - شيء آخر! يا فخامة الرئيس: تتعهد بنشر الديموقراطية وحمايتها، والدفاع عن العدالة، ونصرة المستضعفين والمهمشين، والوقوف مع الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وكرامتها؛ أين أنت مما يحدث في سوريا من إجرام ووحشية لم تحدث أبدا في تاريخ البشرية كلها يرتكبها النظام البعثي الطائفي الدكتاتوري؟! لم تفتح أمريكا عينيها جيدا من خلال الكونجرس ومنظماتها الحقوقية الإنسانية على ممارسات هنا أوهناك عن تمييز عنصري أو ديني، أو حقوق طائفة ما؛ أمريكا لا تسمع ولا ترى ولا تعلم أو كأنها كذلك عما يركتبه بشار من مجازر دموية وحشية في سوريا، ولا ما ينهجه المالكي في العراق من سياسات قمعية واضطهاد ضد السنة في العراق، ولا ما يحدث في إيران من تمييز عنصري ضد الأقليات؟! لا نريد أن نسير في هذا الاتجاه الطائفي المقيت؛ لكن سياسات إيران ومواليها في المنطقة من بشار إلى المالكي تعتمد على هذا المبدأ الجاهلي المتخلف العقيم، والذبحُ على قارعات الطرق في سوريا والاضطهاد بالسجن أو الاغتصاب في العراق ينطلق من التمييز المذهبي الأحمق البغيض! لم انتصرت أمريكا للكويت - كما تدعي - وأخرجت صدام منها، وقضت عليه وعلى جيشه المليوني وسلمت العراق كعكعة جاهزة لإيران لتمارس فيه ما تشاء ولم تنتصر للشعب السوري الذي يسيل دمه وتهدم وتحرق مدنه وتغتصب نساؤه وتمتلئ سجونه بمئات الآلاف من الأبرياء، ويملأ آفاق الأرض مهاجروه والهاربون من جحيم نظامه؟! فخامة الرئيس: كيف تدعي وقوفك بجانب الديموقراطية في خطابك هذا كما تعهدت من قبل في خطابات سابقة بدعم إسرائيل وحمايتها وتعلم في قرارة نفسك وبوعيك التاريخي والثقافي العميق أن إسرائيل دولة معتدية مغتصبة، وأنها تهجر أصحاب الأرض الأصليين وتهدم بيوتهم على رؤوسهم، وأن سجونها تكتظ بعشرات الآلاف من الأبرياء، وفيهم نساء وأطفال ومسنون؟! كيف تزعم يافخامة الرئيس أن أمريكا ستنتصر للحرية والعدالة وهي تسلب العدالة والحرية من الشعب الأفغاني الذي تدكه طائراتكم بدون طيار صباح مساء بحجة محاربة الإرهاب فتلقي بحممها على الفلاحين والبدو الأميين الذين يجهلون أين تقع أمريكا من الكرة الأرضية؟! كيف تمنح أمريكا الحرية للعالم - كما تتبجح - وقريباً منك في خليج جوانتنامو مئات المعتقلين منذ سنوات طويلة بدون ذنب، ساقتهم أقدارهم إلى مواضع الشبه وباعتهم عصابات المافيا إلى جيوشكم التي كانت تدعي مطاردة الإرهاب في العالم؟! أين ما تعهدت به مطلع ولايتك الأولى بإغلاق هذا العار، وشطب مرحلة بوش الدامية وآثار توابع 11 سبتمبر المقلقة من تاريخ أمريكا؟! كيف تهب أمريكا دون تردد متضامنة مع فرنسا لتضرب فصيلاً من المتطرفين في مالي لا يستحق أن تجيش له جيوش، ولا أن تطلب لسحقه معونات من بعض دول المنطقة ويتم سحقه في فترة قياسية جداً؛ بينما تلك أمريكا ووصيفاتها في اتخاذ قرار عادل من الأممالمتحدة ينصف الشعب السوري، أو حتى بدون قرار كما فعلت بريطانيا وروسيا سابقا، وكما تفعل فرنسا الآن في مالي؟ إن أمريكا العظيمة بمبادئها هي تلك التي أوصلتك بقدراتك وكفاءتك الفكرية والقيادية ونقلتك من طبقة المهمشين إلى سدة قيادتها؛ ولكي تستكمل عظمتها عليها أن تسعى إلى تحرير العالم من طغاته، وأن تؤمن بالحرية والعدالة والمساواة خارج أمريكا أيضاً! [email protected] mALowein@