لا أحب عادة الخوض في أحاديث السياسة، فهي حديث من لا حديث له. والذي دفعني إلى مقال اليوم « أين أخطأت المعارضة المصرية» ومقال غدا « أين أخطأ مرسي» هو تصريحات المعارضين في مؤتمرهم الذي أعلنوا فيه رفضهم للحوار مع الرئيس المصري. وحسن وجميل هذا الحزم في المعارضة في صد الرئيس عن محاولاته في استحواذ السلطة، ولو أنني أؤمن بأن نية الرئيس حسنة وأن غرضه هو إنجاز الأمور بعيدا عن العراقيل السياسية والبيروقراطية وعراقيل مكائد وفوضى ما بعد الثورة وتغيير النظام. فاضطرار الرئيس إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تخل بالديمقراطية تحت ضغط ظروف خاصة، يجب أن تظل استثنائية. ولا يضمن أنها لن تتحول إلى ديمومة ديكتاتورية إلا صرامة المعارضة الظاهرة الرسمية التي قد تقلب الحقائق وتتجاهل وتنكر الحاجة الحقيقية الماسة إلى هذه الإجراءات التسلطية، وستستغلها من أجل الإطاحة بالحكومة ورئيسها. هذا الصراع على السلطة بين الرئيس والمعارضة سينتهي إلى نتيجة حميدة -على المجتمع والأجيال القادمة - وهي منع تحول هذه الإجراءات الاستثنائية من أن تصبح برتوكول دائما تُنتهك به الحريات والخصوصيات. ولشرح مقصدي بمثال، فقد وقفت المعارضة الأمريكية في وجه إجراءات بوش الأمنية المبررة بعد حادث سبتمبر- كإعطاء الإذن للأمن والاستخبارات بالتنصت على المكالمات والمراقبة من غير إذن القضاء، وكالتصنيف العرقي للتفتيش في المطارات-. فوقفة المعارضة للرئيس الأمريكي ما كانت إلا لدوافع سياسية محضة - وإلا فهم يدركون أهمية هذه الإجراءات الأمنية - ولذا بقت هذه الإجراءات استثنائية وفي حدود الحاجة، وحمى هذا الصراع الذي لم يخلو من الكذب والتدليس حمى الديمقراطية. فأين اخطأت المعارضة المصرية إذا؟ أخطأت المعارضة المصرية عندما تجاوزت الحد المسموح به من التدليس والألاعيب السياسية اللازمة للحفاظ على الديمقراطية. أخطأت المعارضة المصرية عندما اتخذت من الفوضى والشغب الحادث في بور سعيد والسويس وسيلة من وسائل الضغط على الرئيس. كان من المتوقع أن تشجب وتستنكر المعارضة هذا الشغب الذي كان سببه الاعتراض والاحتجاج على حكم القضاء في مجرمين قتلة، بالقتل قصاصا وعدلا. ما كان أقبح المعارضة في مؤتمرها ذاك وهي تطعن في الرئيس مشيرة بالاستشهاد بالفوضى والشغب القائم في بور سعيد والسويس دون أن تبرأ بنفسها منهم وتؤيد القضاء، وتقف بوضوح لا لبس فيه مساندة للشرعية ولنزاهة القضاء ولعلو القانون. هذا مزلق لم أتوقع مطلقا أن تزلق فيه المعارضة المصرية، وفيها من فيها من أباطرة السياسة والعقل والفكر. وعلى كل حال، فالإصلاح في مصر والطريق إلى الديمقراطية ما زال ناجحا بتقدير ممتاز، بل ويعتبر استثنائيا إذا ما قورن بحركات الإصلاح الأوربية والأمريكية لا من حيث المدة ولا من حيث الفوضى ولا من حيث الدم والعنف والدمار. أما هذا الصراع والعثرات فهو مخاض مصر الديمقراطية الجديدة، ومتى كان المخاض بلا تقلصات وآلام وآهات؟. ومن المعلوم ضرورة بالعقل والفطرة أن هناك من الأفراد والدول من يعمل على إثارة الفوضى في مصر، وهدم كل محاولة للإصلاح، من أجل إجهاض ميلاد مصر الديمقراطية الجديدة وإعادة الديكتاتورية. ولكن من المسكوت عنه أن امريكا والغرب ليسوا من هؤلاء، فقد أدركوا بعد حادث سبتمبر بأن مصلحتهم الاستراتيجية تكمن في قيام الديمقراطيات في دول العالم الثالث. فقد جربوا الدكتاتوريات وساندوها، فجرت عليهم البلاء وزعزعت أمنهم واستقراراهم. أدركت أمريكا والغرب أن العدو دائما وأبدا هو الدكتاتورية مهما كان لباسها، سواء أكانت الشيوعية سابقا أم الإرهابيون المتأسلمون حاليا. [email protected] تويتر@hamzaalsalem