عبد الرحمن محمد عمر العقيل قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف (بنت الأعشى) الاختصار هو حذف الفضول من كل شيء، وهو بمعنى أدق تقليل الألفاظ مع تأدية المعنى، وهذا برمته جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: (أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما مقصد المؤلف - حفظه الله - بلفظه الاختصار الواردة في عنوان الكتاب: (اختصار الكتب بين التراكم والاجترار). ويجيب عن هذا السؤال الجوهري بقوله: «اتخذ الاختصار في أيامنا بعداً خطيراً؛ إذ أخذ بعض دور النشر في بحثها الدؤوب عن الربح السريع في اختصار الكتب الضخمة إلى كتيبات صغيرة، أرخص قيمة من الكتاب الأصل، وهو ما يغري بشرائه وترك الأصل، وقد يكون الأصل غير موجود في متاجر الكتب، لغلاء قيمته أو لندرته ونفاد نسخه المطبوعة، أو غير ذلك، وأصبح الاختصار الضار يلحق أمهات كتب التفسير والتاريخ واللغة وغيرها مما لا يحتمل التلاعب باختصاره تحت هذا المسمى الخطير (تهذيب التراث بمنظور إسلامي خالص).. ويجب ألا نخدع بقولهم (إن الاختصار من البلاغة)، يحاولون بذلك ترويج قصد (اختصار الكتب) والتراكم والاجترار، فالاختصار المراد في المقولة هو الإيجاز أصلاً في الكلام وأداء المعنى الكثير باللفظ القليل، وهو مطلب في الحكمة والمثل والخطبة والوعظ، وغير ذلك، أما قصدهم إلى اختصار كتاب كبير، فلن يجعله من البلاغة مهما تكلفوا له من الأقاويل». ومن قول المؤلف السابق - سلمه الله - «الاختصار الضار يلحق أمهات كتب التفسير» نطرح عليه سؤالاً آخر، هو «ما المقصود بالاختصار الضار؟»، أو نأتي بالسؤال من منعطف آخر، هو «متى يصير الاختصار نقمة؟». هذا السؤال بعينه هو ما يحاول الكتاب الإجابة عنه. وقبل الخوض في هذا الملمح لا بد من الإشارة إلى الشكل الهندسي للكتاب، وقد جاء موسوماً كالآتي: قسم الكتاب إلى سبعة فصول، إضافة إلى تمهيد وخاتمة. الفصل الأول: لماذا الاختصار؟ وهو يبحث في أسباب الاختصار وفيمن يقوم به. الفصل الثاني: موقف المؤلف من اختصار كتابه. الفصل الثالث: من مضار الاختصار، وعرض فيه أهم ما لمسته من مضار الاختصار، سواء على الأصل المختصر أو على المختصر أو على المتلقي. الفصل الرابع: ممن شهر باختصار الكتب، وذكر في هذا الفصل سبعة من الأعلام الذين عُرفوا بكثرة اختصار الكتب. الفصل الخامس: من الكتب المشهورة التي طالها الاختصار، وقد ذكر في هذا الفصل ثمانية وعشرين كتاباً مما طاله الاختصار. الفصل السادس: جولة مع بعض المختصرات، وهو جولة نطلع فيها على أسباب المختصرين في التعامل مع الأصول، ومحاولة تعليل وجوب الاختصار. الفصل السابع: من أفضل المختصرات، يقول المؤلف - رعاه الله-: «هذا فصل يوحي عنوانه بتناقضه مع الكتاب، ولكن من يقرأ يعلم ألا تناقض؛ لأن المختصرات الجيدة على قلتها ظاهرة موجودة ولا يمكن إغفالها». والهدف الذي صبا إليه المؤلف يتضح في قوله الآتي: «(الترتيب) و(الاختصار) هما اجترار للكتب المؤلفة، وسبب للتضخم والتراكم في التراث العربي، وقد أصبح هذا النوع من التأليف علامة فارقة تميز المكتبة العربية عن غيرها، وأوجد تراكماً ثقيلاً في مكتبتنا العربية، بل إنه أصبح يساير التأليف الأساسي جنباً إلى جنب، وهذا ما سأحاول بيانه في هذا الكتاب». وأسماء الاختصار عديدة، وكلها تصب في قالب الإيجاز، ومنها: التلخيص، الانتخاب، الاختيار، الانتقاء، الانتزاع، الاستلال، التهذيب، وغيرها. ويشير المؤلف إلى بلوى عصرية ابتُلينا بها، وقد نعتها بقوله: «وقد ابتلينا اليوم بمن يفزعون من نوم طويل فيجدون كتاباً تعب مؤلفه في وضعه، واستنفد أيام عمره فيه، فيخطر لهم الخاطر، أو يهتف الهاتف، أو يمسهم الحاس، فيصلون صلاة استخارة، ثم تطمئن نفوسهم إلى ضرورة اختصار ذاك الكتاب، وقد يختصر هؤلاء كتباً تراثية أو معاصرة مما تهتم به العامة، وهي كتب صغيرة الحجم ورسائل لا تمثل أو تستحق الاختصار». وللاختصار دعاوى توجب المختصر، وقد حصرت في المباحث الآتية: 1- أن الاختصار مما يشجع على القراءة. 2- تنقية التراث من الشوائب، إما لمجون وبدعة يعكرانه فيحذفان، أو للإطالة في الأسانيد، أو لوجود الأحاديث الواهية والموضوعة. 3- بعض من يأتي بعد المؤلف تحصل لهم زيادات طفيفة حصلوها، فيجعلون وجدانها سبباً لاختصار الكتاب، والاستدراك عليه ونقده، ولرصف تلك الزيادات فيه، وكان حق تلك الزيادات أن تفرد بكراس وحدها دون اختصار الكتاب. 4- أهم أسباب الاختصار في أيامنا - وهو ما لا يستطيع المختصرون ذكره - أن الاختصار أصبح صنعة من لا صنعة له، وغدا مركباً سهلاً لكل من أصابته شهوة التأليف الشديدة ليدخل في زمرة المؤلفين وليس أهلاً. وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه سلفاً، وهو: كيف يصير الاختصار نقمة؟ أو ما هي مضار الاختصار؟ والإجابة عن هذا السؤال المركزي احتلت مساحة الفصل الثالث، الذي مر بك عنوانه، وهو: من مضار الاختصار؟ وهي تتلخص في النقاط الآتية: - ضياع الأصول. - الإبهام بنقص الأصل واحتلاله. - التضخم والتراكم والاجترار الثقافي. - قلب أولويات النشر، بنشر المختصرات وإهمال الأصول، وقد يتلف الأصل مخطوطاً باستغناء الناس بمختصره. وأخيراً: فوائد الكتاب عدة، وفرائده جمة، وقد كتب بموسوعية وصبر وجلد، وأمانة علمية كما اتضح لي من خلال هوامش الكتاب السندسية. والكتاب يُعد مصدراً مهماً من مصادر الاختصار، وقد طرقت مباحثه بذكاء وتألق واضح، ويتسم الكتاب بفهارس معدة، ومصادر مفصلة، ومراجع مقننة. عنوان التواصل: ص.ب 54753 الرياض 11524 فاكس 2177739 [email protected]