هذا عنوان كتاب من تأليف الدكتور محمد التونجي، ويقع في 250 صفحة يتحدث فيه عن منابع التراث الأدبي الذي تضرب جذوره في أعماق التاريخ. والأمة العربية في مقدمة الأمم التي تحظى بتراث عظيم امتد عبر تاريخ طويل، فتنوع عطاؤه وزخر بألوان من الفكر وفنون من المعارف جادت به قرائح أبنائه على مدى التاريخ. ولا ريب في أن التراث الأدبي يحتل منزلة سابقة بين تراث الأمة العربية فلا غرو إن لقي من عناية الدارسين وجهد الباحثين ما هو جدير به، من جمع ونشر ودرس وتعريف أبنائه به - للإقبال عليه والنهل منه - وهذا الكتاب منابع التراث الأدبي صادر عن دار الشهباء للنشر والتوزيع بالكويت. وهو يبرز أهم ما خلفه الأسلاف من تراث جليل ألفه الأقدمون من العرب والمسلمين في شتى مجالات التأليف الأدبي كالمجموعات الشعرية وكتب الأدب والأخبار والنوادر وكتب النقد الأدبي وتراث بهذا القدر وهذا التنوع جدير بالاهتمام ويحتمه أصول المنهج العلمي، وهذا ما لجأ إليه المؤلف الذي قد قام بتصنيف ما اختاره في أربع مجموعات هي: المختارات الشعرية الكتب الأدبية العامة كتب التراجم الأدبية والعامة الكتب المفاتيح تلك هي الفصول الأربعة التي يطالعنا بها الكتاب فضلا عن مبحث موجز استهل به المؤلف كتابه لتوضيح بعض التعريفات التي لها أهميتها وقيمتها، ومن ثم وقف أمام الكتابة - الرواية - التدوين - التأليف، معرفا بها مبينا نشأتها ومراحل تطورها كاشفا عن جهود من أسهم فيها من علماء العرب والمسلمين مناقشا لكثير من الآراء. ولهذا فإن هذا الجزء من الكتاب على جانب كبير من الأهمية لما احتوى عليه من معلومات ولما دار فيه من مناقشات ويتكون الكتاب من أربعة فصول: الفصل الأول يشتمل على المجموعات الشعرية - شمل بالدرس تسعة أعمال هي: المفضليات - الأصمعيات - جمهرة أشعار العرب - حماسة أبي تمام - الوحشيات، وتأتي كما يقول المؤلف في المرتبة الثانية بعد الحماسة، ويطلق عليها تجاوزا الحماسة الصغرى حماسة البحتري - الحماسة الشجرية - الحماسة البصرية - مختارات البارودي. وقد قدم المؤلف بين يدي دراسته لهذه المجموعات حديثا مجملا أبان فيه الخطة العامة التي اعتمدها أصحاب هذه المختارات على ما بينهم من فروق قد يكون مصدرها الذوق والعصر والغاية، كما كشف عن الفائدة المرجوة من هذه المجموعات وإلى أي مدى نختلف عما يرتجى من الدواوين الشعرية. وفي الفصل الثاني تناول الكتب الأدبية العامة والتخصصية - تناول المؤلف تسعة أعمال أيضاً هي: كليلة ودمنة - البيان والتبيين - الحيوان - البخلاء عيون الأخبار - العقد الفريد - الكامل للمبرد - الأمالي - مجمع الأمثال. وقد حرص المؤلف على أن يمهد لدراسة هذه الأعمال بتوضيح بعض النقاط المهمة فكان حديثه عن البيئة والأدب والترجمة التوسع في نشر المعلومات والعلوم، كما تحدث عن سمات هذه المؤلفات التي يأتي في مقدمتها فقدان طابع الاختصاص فضلا عن الاستطراد وقد ارتبط ذلك بمفهوم الأدب حيث الثقافة العامة الواسعة والأخذ من كل علم بطرف. أما الفصل الثالث فهو عن كتب التراجم الأدبية والعامة فقد تناول ثمانية أعمال هي: طبقات فحول الشعراء - الشعر والشعراء - الأغاني - المؤتلف والمختلف - معجم الشعراء - يتيمة الدهر - معجم الأدباء - وفيات الأعيان ثم ذكر ست عشرة ملاحظة جمع فيها جوانب الاتفاق والاختلاف بينها. أما الفصل الرابع وهو ما أسماه المؤلف «الكتب المفاتيح» وعنى بها الكتب الأساسية التي تساعد الباحث على الوصول إلى هدفه ومعرفة كامل المعلومات عن بحثه ومتابعة الأعلام الرئيسية أو الثانوية التي تعرض عمله العلمي (ويدخل في هذا الفصل كتب تاريخ الأدب - ودوائر المعارف والموسوعات الحديثة، والكتب التي تناولت المؤلفات والأعلام. فقد توقف عند نماذج منهاكان من أهمها: تاريخ الأدب العربي بروكلمان - تاريخ التراث العربي لفؤاد سيزكين - تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ - الأعلام لخير الدين الزركلي - معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة. فضلاً عن إشارات لبعض دوائر المعارف والموسوعات وبعض الكتب الأخرى، وبهذا يكون المؤلف قد درس وتناول ما يقرب من أربعين عملاً أدبياً. وهو التعريف - في إيجاز - بمؤلف كل عمل مع ذكر أهم المصادرالتي يمكن الرجوع إليها لمزيج من الترجمة في الحاشية، ثم يعرف بمضمون الكتاب أو العمل والمنهج الذي اتبع فيه ومكانته وأثره وأهم طبعاته وأفضلها وأخيراً يختار نصاً من العمل ليكون نموجاً له. وبالجملة والكتاب إضافة جيدة للمكتبة العربية والاطلاع عليه من قبل المهتمين بالدرس الأدبي وبالثقافة العربية عامة أمر له أهميته حيث إن المؤلف يزودنا بمادة علمية غزيرة إلى جانب ما فيه من الحواشي التي تناثرت على صفحاته لتوضيح معنى أو لتفسيركلمة مما يضيف إلأى قيمة الكتاب قيمة جديدة لعلها من أهم القيم التي يضعها الكتاب بين يدي قرائه وهذه الحواشي تفسير ما هو غريب أو غامض وضبط النطق خاصة في أسماء الاعلام - ضبطاً صحيحاً. وبعد فإن التراث الأدبي جدير بعناية الدارسين والوعي به ضرورة حضارية فهو جزء من ثقافة أمتنا وكيانها الروحي فهو إرث ثقافي وفكري يتسم بالعمق والغزارة، ولقد مر التراث منذ عهد التدوين وحتى الآن بمراحل عديدة تدل على جهد عظيم وعمل كبير، ولقد كان لأولئك المحققين الرواد الفضل الكبير على المحققين والناشرين في العصر الحاضر، وهذا مايجده من يطالع صبح الأعشى وخزانة الأدب وكتاب الأغاني والقاموس المحيط ولسان العرب وكتاب سيبويه وشرح الحماسة وغيرها من أمهات كتب الأدب واللغة لمؤلفات الثعالبي وابن جني والنويري وابن قتيبة والقلقشندي والراغب الأصفهاني وابن النديم وياقوت الحموي إلى جانب مصنفات الفقهاء وكتب المفسرين والمحدثين. وكم أبدع أسلافنا في شتى جوانب المعرفة الإنسانية وما زالت كتبهم مصدر إشعاع في العالم إلى يومنا هذا رغم مرور القرون الطويلة عليها ولا تخلو من الحديث عنها دائرة ثقافية ولا هيئة علمية، وأن الاهتمام بالتراث لرسالة وشأن عظيم ومطلب كريم وينبغي السعي إلى تنسيق عربي شامل وإقامة قاعدة معلومات تضم المعلومات التي يمكن توفيرها في جميع مجالات جمع التراث وتحقيقه وفهرسته خدمة للباحثين وفق منهج علمي دقيق.