لاحظتُ أن بعضَ أكثرِ الناس شتماً لأمريكا هم ممن يسافرون كثيراً إلى هناك. بعضهم يسافر في الصيف لقضاء الإجازة السنوية، وبعضهم يسافر في أوقات أخرى من العام لأنهم - ببساطة - «يرتاحون» هناك! تعجبهم المناظر الطبيعية، ويعجبهم انضباط الناس، والحرية الشخصية، والنظام والكتب، والجامعات، والأشياء الليلية؛ يعني يعجبهم كل شيء تقريباً في أمريكا! لكنهم يظلون من اكثر الناس حنقاً على أمريكا والأمريكان مع حرصهم الشديد على اقتناء أي منتج أمريكي يستطيعون الوصول إليه؛ وهو ما يُذَكِّر ببعض اليساريين الراديكاليين العرب الذين كانوا يعيشون في الغرب في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي ويفضلونه على الاتحاد السوفيتي، أو بعض المتشددين الدينيين الذين يشتمون الغرب ليل نهار وهم يعيشون في الغرب وربما يحصلون أيضا على إعانات اجتماعية من الحكومات الغربية مثلما كان الحال مع أبو حمزة المصري أو ابو قتادة الأردني. صارت أمريكا، في الوقت الحاضر، بمثابة «ضرورة» لابد منها. ولكل إنسان تبريراته الخاصة لماذا يذهب إلى أمريكا. وقد رأيت أشخاصاً يعلنون كراهيتهم لأمريكا حتى دون أن يسألهم أحد عن مشاعرهم تجاه أمريكا كأنما هم يتباهون بهذه الكراهية ولكنهم يذهبون للعلاج إلى هناك من أمراض بسيطة يمكن معالجتها في مستشفيات المملكة! ورأيت من «يلحس» كلامه الطويل العريض عن مساوئ الدراسة في أمريكا فكان من أول المسارعين لإرسال بناته وأولاده إلى أمريكا عندما بدأ برنامج البعثات الدراسية الحكومية الموسع في السنوات الأخيرة، بل وأصبح هو شخصياً كثير التردد على أمريكا تحت ذريعة «الاطمئنان» على الأبناء حتى عندما يكون الأبناء في إجازة بالسعودية وليسوا في أمريكا!! وإذن، يبدو أنه «لابد من امريكا وإن طال السفر» مثلما قال الشاعر أو الفقيه القديم عندما أطلق بيته الشعري الذي حفظ الناس شطره الأول «لابد من صنعاء وإن طال السفر» ونسوا الشطر الثاني؛ وهو بيت الشعر المنسوب للإمام الشافعي، وأحيانا للإمام ابن حنبل رحمهما الله. لذلك يبدو أن الكل سيكون سعيداً بالنتائج المتوقعة من إبرام اتفاقية «المسافر الموثوق به» بين المملكة والولايات المتحدة التي تم توقيعها مؤخراً في واشنطن، وهي الاتفاقية التي ستتيح للسعوديين الذين يترددون على أمريكا، وليست عليهم ملاحظات سابقة، الحصول على تسهيلات خاصة عند الدخول إلى المطارات الأمريكية وتَجَنُّبْ الإجراءات المعقدة والطوابير الطويلة التي كان المسافرون السعوديون قد بدأوا يعانون منها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد عقود طويلة من معاملة ال «خمس نجوم» التي كان يحظى بها السعوديون عند دخولهم إلى أمريكا. اتمنى أن تسير هذه الاتفاقية على ما يرام، فمع وجود عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين الذين يدرسون هناك، وعشرات الآلاف من السياح ورجال الأعمال السعوديين، ومع حقيقة أن أمريكا أصبحت «ضرورة» في عالم اليوم يكون توقيع هذه الاتفاقية مكسباً للطرفين: السعودية والولايات المتحدة. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض