الرياض عاصمة الثقافة لهذا العام، حدث ثقافي جميل، ورسالة إلى العالم أن ثقافة هذا البلد الأصيلة جديرة بأن تجتاز الحدود ويكون لها في كل أرض وجود. وقصيدتي نقوشٌ على بوَّابة المَصمَك دفقات شعور تعبر عن الإحساس بهذا الانطلاق الثقافي الرائع، إنها صورة مع التحية إلى الرياض عاصمة الثقافة العربية . لا تعجبي إن قلتُ: إِنَّكِ في دمي فأنا وأنتِ إلى العقيدةِ ننتمي تجرين مني في شراييني التي تمتدُّ في أعماقِ قلبي المغرَمِ وتسافرين معي إلى أقصى المدى سفراً يبلِّغنا مَدارَ الأَنجُمِ طيفان يلتقيان في جُنحِ الدُّجى وينوِّران رُؤى المساءِ المظلمِ ويغرِّدانِ كما يغرِّد بلبلٌ يقتات ضَوءَ صباحه المتبسِّمِ رحلا ولم يَقفا على بابِ الهوى إلا وقوفَ الواعظ المتفهِّمِ رحلا ونورُ الفجر مِن خَلفِ الدُّجى قسماتُه في أُفقنا لم تُرسَمِ فتجاوزا الظَّلماءَ حتى عانقا ضوءَ الصَّباح بهمَّةٍ لم تُهزَمِ وجدا هُنالكَ روضةً مخضرَّةً سُقَيت بأصفى شَربةٍ من زمزمِ وكأنَّها التزمت مع الغيثِ الذي يرتاد روضتَها بعقدٍ مُبرَمِ من أينَ هذا الخِصبُ؟، مَن أُمَّ القرى من بيتها، من باب دار الأَرقمِ من ذلك الجبلِ الذي انطلق الهُدى من غاره، من فَضلِ ربٍ منعمِ من حكمة الرجل الذي فُتحت له بوَّابةُ الوحي المبينِ المحكَمِ أمحمَّدٌ هو؟ إِي وربي إنَّه ما زالَ أهلَ الحمد، غَيرَ مُذمَّمِ سقطت حصونُ الجاهليَّة حينما لاقى مظاهرَها بقلب المُحجمِ وتلا كتابَ الل ّه غضَّاً ناضراً فمحت حلاوتُه مرارةَ عَلقمِ ما كان إلاَّ كالنَّمير لظامئٍ ولمن تغلغل داؤه كالبَلسمِ نشر الهُدى ، قل لي وقد نشر الهُدى : ما عُذرُ طاغيةٍ، وحُجَّة مُجرمِ طيفان ما بَدَآ على وهمٍ ولا وقفا باب جداره المتهدِّمِ بَدَآ من الحلُم الكبير وسافرا نحو الشموخ بنظرة المتعشِّمِ يا شاهدَ التاريخ، هل أبصرتَني أرقى جبالَ الذكرياتِ بسُلَّمِ وبصدق عزمي، أَستدلُّ إلى الذُّرى وأرى ملامحَ أمةٍ لم تَهرمِ وأرى هنالكَ أمَّ إسماعيلَ قد لجأت إلى الله العظيم الأرحَمِ وأرى الرَّضيع يفجَّر الماءَ الذي أبقى على الأيَّام قصَّةَ جُرهُمِ وأرى المدينة تحتفي برسولنا وتُقيم للإيثار أكبرَ مَعلَمِ وصلت إلى ما تشتهي أمجادُها ببطولةٍ ومروءَةٍ لم تُخرَمِ كُسِيَت بأثواب الرَّزانةِ والنُّهى فاسأل عن الحسناءِ كلَّ مُتَيَّمِ هذي سفائنُ ذكرياتي لم تزل ترسو على شطآنِ بحر القُلزُمِ فأرى البطولات التي رَسَمَت لنا صُوَراً توضِّح كلَّ معنىً مُبهَمِ وأرى عيونَ الروم ترصد ما جرى في طيبةٍ بتوجُّسٍ وتألُّمِ وأرى بني ساسانَ في شُرُفاتهم وقلوبُهم من خوفها لم َتسلَمِ جيشٌ من الصحراء أقبل حاملاً خصباً، فيا خيلَ البطولةِ حَمحِميِ يا شامُ، هذا الخصب جاء فرحّبي بالفاتحين، ويا عراقُ ترنَّمي يا مصرُ يا أرض الكنانةِ غرِّدي وبنعمة الدين الحنيف تنعَّمي يا شاهدَ التاريخ، ه ذي أمتي وَسَمَت قوانين العلوم بِميَسِمِ فغُبارُ ميدانِ العلومِ بَخُورُها وغناؤها صوتُ الحصان الأَدهمِ نَهرٌ جرى من مهبط الوحي الذي يعطي عطاءَ الخير للمتوسِّمِ وجرت روافدُه إلى بغدادنا ودمشقنا وإلى بلاد الدَّيلَمِ وإلى بلاد السِّند سافر خصبُها وإلى بُخارى والمحيط الأعظمِ هذي روافدُنا، وهذا نهرُنا يجري إلى الدنيا بما لم تَحلُمِ يا شاهدَ التاريخ، هذي ريشتي وقفت على كفَّي وقوفَ مسلِّمِ هذي الرياض تبوحُ لي بشعورها نحوي، وثَغرُ الحبِّ غير مكمَّمِ وتقول: نضِّد بالحروف قلادةً من شعركَ الصافي ولا تتبرَّمِ قل للذي ظنَّ الثقافةَ نِحلَةً غربيَّةً في عصرنا المُتَعَولمِ: مهلاً فقد أرسلتَ نفسك للرَّدَى وشغلتَ عقلكَ بالحديثِ المبهَمِ ماردَّ أمَّتَنا على أعقابها إلاَّ يَدُ المستغرِبِ المُستَوخِمِ مأساةُ أمتنا ملاحمُ لم تَزَل تحكى لنا برواية ابن العَلقمي وتُذاع من بغدادَ بعضُ فصولها مختومةٍ بنهاية المستعصمِ ومن الثقافةِ ما يدمِّر أهلَه كالسُّمِّ يُخلَطُ بالطعام الأَدسمِ إن كنتَ لم تعرف حدود ثقافتي فاقرأ تفاسيرَ الكتاب المحكَمِ واقرأ أسانيدَ الحديث وما جرى لمتونه ولعلمه المتقدِّمِ واسأل إذا شئتَ ابنَ حَوقلَ إنَّه رسم امتدادَ الأرض رَسمَ معلِّمِ واسأل كتابَ ابنِ النَّفيس وما حوى واسأل رئيسَ الطبِّ وابنَ الهيثَمِ قل للمكابر، وهو يُلقي نَظرَةً سَقِمَت ولولا وهمُه لم تَسقَمِ لولا المحبَّة ماجرت بدموعها حزناً لفقد أخيه عينُ مُتمِّمِ أرأيت أتعسَ أو أضلَّ من امرئٍ يجني عليه الكِبرُ كابنِ الأَيهَمِ قل ما تشاء عن الثياب وحسنها سيظَلُّ أحسنَها رداءُ المُحرِمِ هذي الرياضُ قصيدةٌ عربيَّة فُصحَى بغير حروفنا لم تُنظَمِ سَلمَت من العِلَلِ التي تُزري بها ومن الزِّحافِ وكلِّ لفظٍ أعجمي أنشدتُها، والفجر يغسل وجهَه بالنور من أثر الظلام المُعتِمِ والشمسُ تنسج من خيوط شعاعها ثوباً يهزُّ مشاعرَ المترنِّمِ وتمدُّ كفَّ النور توقظ ما غَفَا من زَهر بستان الحنين المُفعَمِ هذي الرياضُ، مليحةٌ بدويَّةٌ لبست وشاحَ تطوّرٍ وتقدُّمِ وقفت على الأرضِ العَزاز رزينةً بالدينِ من زَيفِ المذاهب تَحتَمِي ومشت على درب الحضارة مَشيَةً محسوبةَ الخُطُواتِ ذاتَ تَحَشُّمِ سَكَبَ الإباءُ على مفارقِ شَعرها مسكاً من الخُلُقِ النبيل الأكرَمِ ما شِئتَ من وصف الجمال فَخُذ لها أو في نصيبٍ منه دون تأثُّمِ أرأيتَ أجملَ من ملامح ظبيةٍ كشفت بنظرتها رموزَ الطَّلسمِ أعطتكَ أبعدَ ما تراه من المَدَى في مقلتيها، وهي لم تتكلَّمِ ما أرسلت أهدابُها لكَ نَظرةً إلا وكان لها نصيبُ الأسهُمِ سل قلبَك المشتاقَ عنها إنَّه سيُذيع سِرَّ شعوره المستسلمِ وإذا أردتَ سؤالَها، فجوابُها سيُريحُ قلبَ السائل المستفهمِ سيكون سَردَ حكايةٍ عن راكبٍ لم يخشَ ظُلمَةَ ليله المتجهِّمِ عن زُرقةِ الفجر التي نَقشت على أبوابِ مَصمَكِها حكايةَ مُقدِمِ نادى المنادي، والصَّباحُ معطَّرٌ ببريقِ سيفِ الفارسِ المتلثِّمِ الملك للرحمن، ثمَّ لفارسٍ حملت بطولتُه هُويّة مُسلمِ الملكُ للرحمن، ثمَ لعبده عبدِالعزيز، فيا رياضُ تبسَّمِي يا نجدُ، يا درعيَّة الشيخين، يا هَيفَ النَّخيل، ويا رياحَ الموسمِ الملكُ للرحمن، إعلانٌ له معنىً يفهِّم عَقلَ مَن لم يَفهَمِ يعطي ويمنع مَن يشاء فلا تَسَل عن عِبءِ من أعطى وثِقلِ المَغرَمِ الملكُ للرحمن، لولا أَمرُه ما جاء عيسى من ترائبِ مريمِ الملكُ للرحمن تلك حقيقةٌ حُسمَت ولولا صِدقُها لم تُحسَمِ الملك للرحمن أنزل شرعَه وبه أزال شكايةَ المتظلِّمِ وأعزَّ مَن حكموا به، وتعلّقوا بكتابه، وأذلَّ مَن لم يَحكُمِ هذي الرياضُ ثقافةٌ لم تُبتذَل وبغير خَتمِ علومنا لم تُختَمِ قِف يا غُبار الوَهم خَلف سدودها وإلى رُباها يا زهور تقدَّمي واكتب إليها يا نسيمَ الفجرِ في وَرَقِ الضِّياءِ رسالةَ المستلهِمِ وابعث بها مَمهُورَةً بمحبَّةٍ ومودَّةٍ لأميرها المتفهِّمِ فلسوف يقرأ أَحرُفَ النّور التي طابت معانيها قراءةَ مُلهَمِ هذي الرياضُ، ولو سألنا نَخلَها عنها لحدَّثنا حديثَ مُخَضرِمِ ولظلَّ يشرح عن أصالةِ فكرها وصفاءِ مَشربها وَطِيبِ المَطعَمِ إني لأسمعُها تقول لمن رعى أحلامَها، وإليه صارتُ تنتمي: بيني وبينَك يا محبُّ وشائجٌ وحبالُ وُدٍّ صادقٍ لم تُصرِمِ هذي ثقافتيَ العظيمةُ منبَعٌ تهفو إليه مشاعرُ المتعلِّمِ لم تأتِ من خَلفِ البحار، بِلَكنَةٍ عجميّةٍ صُبِغَت بوهم مترجمِ حولي براكينُ المذاهبِ، لم تزلُ تجتاح عَقلَ الحائر المُتَشَرذِمِ وأنا بحمد الله أرفعُ هامتي بعقيدةِ الإسلامِ فوقَ الأنجُمِ أسعى إلى الرأي السَّديد وإن يكُن في الصِّينِ أو في الهندِ دون تبرُّمِ أنا للأصالةِ والثقافةِ موطنٌ فكلاهما كالنَّهرِ يجري في دمي أنا أيُّها الراعي مُحِبَّتُكَ التي منحتك مُهجَتَها ولم تتندَّمِ فامسح على رأسي بكفِّك إنني أهفو إلى عَطفِ المحبِّ المُكرِمِ علِّق على دربي القناديلَ التي تَحمي مشاتلَ نخليَ المُتَبَرعمِ فالفجر يطلُعُ بعد آخرِ نَبضةٍ في قلبِ عملاقِ الظلامِ الأسحَمِ والحبُّ ينبُتُ بعدَ أولِ نظرةٍ تنسابُ في أعماقِ قلبِ المُغرِمِ والرُّمحُ يثبُتُ عند أوّلِ رَكزِةٍ والأرضُ تُخصِبُ عند أوّلِ مَوسِمِ