فالشمس تضحكُ في الأفُقْ وشُعاعُها بالدِّفءِ يحتضن الطُّرُقْ يا مَنْ خُلِقْتَ من العَلَقْ *** هيا انطلقْ لتذوقَ من طعم الرِّضا ما لم تَذُقْ لُتزيلَ عنكَ وعن مشاعركَ القَلَقْ *** هيا انطلقْ فهناكَ بُستانٌ وأشجارٌ نديَّهْ وهناكَ أَزهارٌ تُحدِّث بالشَّذا الآفاقَ. تَبْعَثُ في النفوسِ الأَرْيَحِيَّهْ هيَّا، تعالَ إلى الرياضِ المُورقاتْ وإلى ميادينِ الصَّفاءِ المُشرقاتْ هيَّا إلى نخل اليقينِ الباسقاتْ ضَعْ في يَدِي يَدَك التي غُسِلَتْ بماء المكرماتْ *** هيا انطلقْ هذي هيَ الأَغصانُ تنشُر في روابينا الظِّلالْ أَنصِتْ إلى لحن الحفيفِ وسِرْ على خُضْرِ التِّلالْ افهمْ معانيَ ما يبوح به السحابُ إلى الجبالْ *** هيا انطلق أَوَ ما تشاهد في طريقك دوحةً وظِلالَ رحمَهْ؟ أوَ ما ترى من حولها آثارَ نِعْمَهْ؟ هذا هو البستان يفرض زَهْرَه للزَّائرينْ والنَّبْعُ يسكب ماءَه للشاربينْ والدَّوحةُ الخضراءُ ترسُمُ ظِلَّها صوراً تَسُرُّ الناظرينْ *** هيا انطلقْ امدُدْ يديك إلى الثِّمار اليانعاتْ وانظُرْ إلى دَفَقَاتِ أنوار الشموس الساطعاتْ اسمعْ معي اللحنَ الجميلْ لمَّا تردِّده الحقولْ: غصنٌ دَنَا، وثمارُه أَدْنَى يا طِيْبَ مَنْ يَجني وما يُجْنَى غصنٌ تظلُّ السُّحْبُ تغسله بنميرهِ فتزيدُه حُسْنا حتى إذا أوراقُه ابتهجَتْ قالت له: بُشراك قد عُدْنا أرأيت أَجملَ من تمايُلِهِ ويَدُ النَّسيم تحرِّك الغُصْنَا سبحانَ مَنْ بالخِصْب لوَّنَه حتى غدا متثنِّياً لَدْنا *** هيا انطلقْ فهناك أبوابٌ تُفَتَّحُ للعطاءْ وهناك أبوابٌ تُغَلَّق دون عاصفة الشقاءْ وهناك شيطانٌ يُصفَّد بالقيودْ وهناك بستانٌ تعطِّره الورودْ في أوَّل البُستان أشجارٌ جميلهْ في آخر البُستانِ يَنبوعٌ يَمُدُّ إلى الروابي سَلْسَبيلَهْ وخميلةٌ في وَسْطه تتلو خميلَهْ أشجار إحسانٍ ورحمَهْ يَنبوعُ عِتْقٍ من لهيبِ النَّارِ، من ليلٍ وظُلْمَهْ وخميلةُ الغفرانِ يمسح عندها المهموم همَّهْ *** هيا انطلقْ انظر إلى النور الذي مِنْ هَدْي دينكَ ينبثقْ أَنصت إلى الصوت الذي يسري إليكَ من الأُفُقْ: «قفْ مع الفجر وقبِّل راحتَيْه.. وتأمَّلْ لوحة الحُسْنِ التي في مقلتيه واسألِ الروض لماذا انتفضتْ أزهارهُ شوقاً إلَيه؟ واسأل البَدْرَ الذي يبدو إذا الليل سَجَا: كيف لا يظهر إلا حين يشتدُّ الدُّجَى؟ سَلْه عن رحلتِه هل أَبْلَغَتْهُ المرْتَجَى؟» *** هيا انطلق أَنصِتْ إلى لحنٍ تردِّده القلوبٍْ والى خُطَى الآتي الذي انتعشتْ بخُطوته الدُّروبْ: رمضانُ أَقْبَلَ، هاتِها يا تَالي أياً من القرآن ذاتَ جَلالِ رتّل كتابَ الله إنَّ قلوبَنا ظَمْأَى إلى الأعرافِ والأنفالِ ظَمْأَى إلى السَّبع المثاني، إِنَّها لَتُريحُنَا من سَطْوةِ الأَهوالِ ارفعْ مشاعَرنا إلى الأعلى، فقد نزلتْ بنا الدنيا إلى الأوحالِ اصعدْ بنا حتى تريحَ قلوبَنا ممَّا نرى من غَفْلةٍ وضلالِ رمضانُ أقبلَ في مواكبِ أَنُجمٍ تَلْتَفُّ بالأشواقِ حَوْلَ هِلالِ رَكْبٌ تباركه المآذنُ، كلَّما صَدَحَتْ أعادتْ ذكرياتِ بلالِ ورسولنا يَرْقَى بأَنْفُسِ صَحْبه عن ساقطِ الأقوالِ والأَفعالِ رمضانُ أقبل، هاتِها فيَّاضةً بالحبِّ ناطقةً بخيرِ مَقَالِ حرِّك بها نَسَماتِ فجر ضاحكٍ يدعو السفوحَ إلى رؤوسِ جبالِ ويقرِّب الحُلُمَ البعيدَ إلى مَدَى نَبَضاتِ قلبٍ مُشرقِ الآمالِ أَكرمْ حبيبَكَ قبل يومِ وداعِه واجعلْهُ في أُنْسٍ ونِعْمَةِ حَالِ خُذْنا إلى باب الكريم فعنده فَيْضٌ من الإنعامِ والإفضالِ هيا انطلقْ نحو السَّماءِ، فإنَّهَا تُغنيكَ عن متطاولٍ ومُغالي