تواصل سرديات كما وعدت الوقوف عند بعض الكتب التي جاءت لفظة السرد في عنوانها الرئيس, الدكتور حميد الحمداني، أحد المهتمين بفن السرد، ويركز بشكل أكبر على الرواية، ويجمع بين الابداع والنقد, فروايته دهاليز الحبس القديم ، صدرت عام 1979م, وله العديد من الكتب النقدية المتصلة بالرواية, منها من أجل تحليل سوسيوبنائي للرواية 1984 ، وكتاب الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي 1985 ، وكتاب اسلوبية الرواية 1989 ، وكتاب النقد الروائي والايدولوجيا 1991 , الا ان الكتاب الذي ستقف عنده سرديات هذا الاسبوع فهو كتاب بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي الذي صدر عن المركز الثقافي العربي عام 1991م. يتكون الكتاب من جزءين رئيسيين، يركز الاول على النقد الغربي، أما الآخر فيتناول النقد العربي من منطلق منظور كل منهما لبنية النص الروائي, يشير المؤلف الى أن كتابه يود تحقيق هدف ذي بعدين: الاول يتمثل في تقديم معرفة منتظمة بالجهود المبذولة خارج الوطن العربي، ويبدأ المؤلف بالحديث الموجز عن أبحاث الشكلانيين الروس في هذا الاطار، كما يتحدث عن جهود النقاد الانجليز, واذا كان الشكلانيون يركزون بشكل عام على الجوانب الشكلية والتركيب البنائي للأعمال الادبية، مع قطع الصلة بأي جوانب خارجية، فان النقد الانجليزي لا يقطع هذه الصلة وان كان يتجه نحو دراسة الأعمال الروائية من حيث البناء والتركيب الداخلي ومن ابرز هؤلاء النقاد الذين يشير اليهم الحمداني فورستر Forster وموير Muir وتود سرديات ان تذكر بكتابين اساسيين لهذين الناقدين اللذين يعتبران من اوائل من اعطوا اهتماما خاصا بالسرد الروائي, الكتاب الاول هو كتاب فورستر Aspects of the Novel, وحين أشار اليه لحمداني من ضمن مراجع كتابه، ذكر ان النسخة التي اعتمد عليها لا تحمل تاريخ الطبع, والواقع ان الطبعة الاولى من الكتاب قد صدرت عام 1927م, وأعيدت طباعته عدة مرات, أما الكتاب الثاني فهو كتاب موير The Structure of the Novel الذي صدر عام 1928م, وقد ترجمه الى العربية ابراهيم الصيرفي بعنوان بناء الرواية وصدر عام 1965م, وقد وقف لحمداني عند أبرز آراء الكاتبين النقدية, وفي اشارة هامشية يبرز المؤلف ان فورستر حين يتحدث عن انواع السارد، لا يفرق بين الكاتب المؤلف وبين الراوي, وترى سرديات ان هذه مسألة تستحق وقفة مستقبلية, فهذه الرؤية يعاني منها كتاب الابداع السردي، حين يعتقد القراء ان الراوي داخل العمل يجب ان يكون المؤلف، وتزداد المسألة تعقيدا حين يستخدم المؤلف الراوي الاول، وهو الذي يتحدث مستخدما ضمير المتكلم, وكأن هؤلاء القراء الذي يتسمون بالعفوية وعدم الالمام بجوانب النقد السردي، يلتقون مع رواد النقد السردي في بداية نشأته. يشير حميد لحمداني في كتابه الى كثير من التفصيلات للأعمال السردية متناولا آراء نقدية لعدد من الكتاب من بينهم الفولكلوري الروسي الشهير فلاديمير بروب Propp، والناقد البنيوي رولاند بارت Bartbes ويتحدث بالتفصيل عن السرد ومفهومه وفضاءاته الزمانية والمكانية. اما البعد الثاني الذي اراد المؤلف تحقيقه فهو محاولة اختبار المسيرة النقدية التي قطعتها التجربة العربية في هذا الميدان ويختار عددا من الكتب المتصلة بالسرد العربي للوقوف عندها، حيث يبدأ اولا بالحديث عن الناقد نبيل راغب الذي يعتبره يمثل النقد الروائي الفني في العالم العربي من خلال كتابيه قضية الشكل الفني عند نجيب محفوظ وفن الرواية عند يوسف السباعي , ورغم استفادة راغب من النقد الانجليزي، الا ان لحمداني يأخذ عليه انه في كتابيه يعمل على اخفاء المصادر التي بنى عليها تصوره النقدي، كما يشير المؤلف الى كتاب محمود أمين العالم تأملات في عالم نجيب محفوظ . ثم ينتقل الى الحديث عن النقد الروائي البنائي البنيوي , ويتناول ثلاثة كتب اولها كتاب موريس أبي ناضر الألسنية والنقد الادبي، في النظرية والممارسة ، والثاني كتاب نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة لنبيلة ابراهيم، والثالث القراءة والتجربة لسعيد يقطين, اما الكتاب الرابع فهو كتاب سيزا قاسم بناء الرواية: دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ , وقد اخذ هذا الكتاب الجزء الأكبر من المناقشة, ويرى لحمداني ان سيزا قاسم قد اهملت بنية الدلالة في النصوص المدروسة, كما اخذ على المؤلفة عدم دقة الترجمة، الا ان بعض الأمثلة التي ساقها تظل تحمل وجهات نظر تقترب كلها من الصواب. ورغم النقد المتسم بالقسوة، فان لحمداني يعترف بأن كتاب سيزا قاسم يعتبر اول دراسة مقارنة للرواية العربية تستخدم المنهج البنائي. اخيرا، يحمد لحميد لحمداني انه حين يستخدم المصطلحات السردية العربية يضع ما يقابلها من المصطلحات الغربية, الا انه لم يعتمد على لغة واحدة, بل انه يتراوح في استخدامه للمصطلح الغربي بين اللغتين الانجليزية والفرنسية, ورغم ان الكتاب يحمل عنوان بنية النص السردي ، فانه اقتصر على الكتب العربية التي تناولت فن الرواية دون غيرها من الفنون السردية.