السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد: الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن ان يعيش منفردا فهو مفطور على حب الاجتماع مع الآخرين بل هو محتاج اشد الحاجة لذلك الاجتماع!! وعندما يجتمع الناس في أي مكان في العالم فإنهم يضعون نظاما وأعرافا لأصول التعامل بينهم!! وذلك لتنظيم هذا التعامل المشترك بين افراد المجتمع بصورة سليمة وعادلة تؤدي إلى الهدف من هذا الاجتماع الا وهو التعاون والبقاء، إلا ان كل الأنظمة والاعراف التي وضعت في مختلف العصور والشعوب لم تنجح في المحافظة على بنيان تلك المجتمعات بل وأدت إلى التنافر والتناحر بين ابناء المجتمع الواحد!! وذلك لأنها كانت انظمة من وضع البشر انفسهم الذين كانت تغلب عليهم العصبية والمصالح إضافة إلى جهلهم التام بما يصلح أحوال الناس على اختلافهم في كل شيء فالذي يستطيع ان ينظم حياة الناس وتعاملهم هو من خلقهم وهو الأحق والأقدر على ذلك ولذلك أنزل الله الكتب وأرسل الرسل في كل زمان ومكان حتى ينظم حياة البشرية في جميع مراحلها التاريخية حتى ارسل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما لكل الانبياء والرسالات متمما لكل الأنظمة والقوانين الإلهية السابقة لكي ينظم حياة البشرية جمعاء بتعاليم الإسلام السمحة التي تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان حتى يرث الله الارض ومن عليها. ولقد رأينا ماذا فعل اوائل المسلمين وهم السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم فلقد فهموا دين الإسلام فهما متكاملا انعكس على اخلاقهم وتصرفاتهم التي يندر ان تجد مثلها في التاريخ الحديث او الحاضر فلقد كانوا مثالا رائعا لكل القيم والاخلاق الإنسانية السامية التي كانوا يعملون بها من اجل أمر الله ورسوله بها فكان الناس يدخلون افواجا في هذا الدين السامي عندما يرون رجاله العظام والقادة والأمراء وهم يتخلقون بتلك الاخلاق الفاضلة من عفو ورحمة وتواضع وسماحة وصدق ووفاء وعدل,, الخ. فكيف نتعامل الآن نحن ابناء هذا الدين واحفاد اولئك الرجال مع بعضنا البعض؟ للأسف اننا نعامل بعضنا الآن كما كان الجاهليون يتعاملون مع بعضهم البعض بالمفاخرة والمنابزة والتعصب وما شابهها من امور كانت سائدة في ذلك الوقت. وقد كنت من احد الناس الذين يؤمنون بالقول المأثور عامل الناس بمثل ما يعاملوك وقد عملت بها لفترة مع مجموعة من الناس المحيطين بي من الاقارب، الزملاء، الاصدقاء وبدأت أعامل الحقير بحقارة اشد!! والغادر بغدر أشد!! والمنافق بخبث أشد,, الخ، ولكنني نظرت لنفسي فجأة وراجعت حساباتي وحاولت ان اعرف من الخاسر ومن الفائز في هذه المسألة؟! فوجدت نفسي الخاسر الحقيقي فلقد فقدت شخصيتي واصبحت امعة وعبارة عن مزيج مختلف لعدة شخصيات شاذة خلقيا اجبرتني على ان اكون نسخة منها بمنتهى الغباء!! فأنا لا اريد ان اكون هكذا ولا أرضى عن نفسي ان تستمر هكذا فقد قال تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقال صلى الله عليه وسلم انما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق والدين المعاملة وابتسامة المسلم في وجه اخيه المسلم صدقة بل حتى في وجه الكافر، فقد أمرنا الله ورسوله بحسن الخلق والمودة والرحمة مع كل الناس حتى مع اعدائنا ان لم يسعوا في عداوتنا. فبدأت والحمد لله أعوّد نفسي على ان اعامل كل الناس لله سبحانه وتعالى مهما بدر منهم تجاهي لأن هذا والله الواجب تنفيذه وهذا الأمر من اهم اهداف الدين الإسلامي وهو ازالة الفرقة والتنافر بين افراد المجتمع ولكني وجدت من الناس من يلومني على مثل هذا التعامل الراقي مع الناس بل ومنهم من يتهمني بالنفاق او الجبن او الوصولية,, الخ، انا اعلم جيدا ان ارضاء الناس غاية لا تدرك وانا لا اسعى لهذا الرضا المستحيل ولكني اريدهم هم وامثالهم من الناس الذين يحملون مثل هذه الأفكار وهم كثر للأسف ان يعلموا ان ما افعله هو الصواب الذي نحن مأمورون به جميعا من الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى لم يترك شيئا فيه اصلاح امرنا إلا امرنا به ولم يترك شيئا فيه مضرة لنا إلا نهانا عنه!! فقد نهى عن الغيبة والنميمة والتجسس والتحاسد والتباغض وعن القيل والقال وكثرة السؤال وامرنا بدفع السيئة بالحسنة والعفو والصفح والرحمة والرأفة والسماحة والتجاوز عن اخطاء الآخرين لا خوفا او نفاقا بل من اجل الله سبحانه وتعالى الذي قد يغفر لك إن شاء كل ذنوبك ويدخلك الجنة لمجرد انك عفوت عن اخيك المسلم لوجه الله بصدق واخلاص. نحن ابناء هذا الزمن وهذا العصر الغريب بكل المقاييس لم نفعل جزءا من مائة جزء مما فعله الصحابة رضوان الله عليهم من جهاد في سبيل الله بالمال والنفس والولد والزوجة والديار ولم نصبر في سبيل الله كما صبروا رضوان الله عليهم ولكل ما فعلوه لله سبحانه وتعالى كانوا خير القرون ونحن مهما فعلنا فلن نستطيع ان نجاهد مثلهم وذلك لاختلاف الزمن الكبير الذي بيننا فلماذا لا نجاهد نحن في هذا الزمن على الاقل بأخلاقنا ان نجعلها في سبيل الله فلا نعامل الناس إلا لله ونتجاوز عنهم ونحسن اليهم مهما فعلوا فينا وان نطلب ودهم ونتجاوز عن عيوبهم وان لا نتدخل في خصوصياتهم من باب الفضول وان نمتنع عن سماع الاشاعات عنهم وعن غيرهم وان لا ننقل كل ما نسمعه عن الناس فربما كان الامر كله مفترى على الإنسان فيه اما لحقد حاقد او كره كاره وان نسعى دائما للاصلاح بين الناس وفعل الخير وان نتجنب جرح الناس واحتقارهم او التكبر عليهم وان نعدل معهم وننصف وان نعطي كل ذي حق حقه وان نحسن ونبر بكل الناس عرفنا ام لم نعرف فبهذا امرنا الله فمن لم يجبره دينه على حسن الخلق مع الناس فلا دين له وكثير من الناس من يظن ان الدين هو عبارة عن مظاهر وعبادات فالدين أخلاق وجوهر ومعاملة وحق وعدل فلنجاهد في سبيل الله على الأقل بأخلاقنا مع اخواننا وغيرهم,, فلنظهر ديننا على أخلاقنا وتعاملنا قبل ان نظهره على ملابسنا وأشكالنا. محمد طاهر العواجي الرياض