المملكة تدين القصف الإسرائيلي على مدرسة أبوعاصي في غزة    وزير الصحة: 10 % نموي سنوي لقطاع الأدوية بالمملكة    مشاركة عربية قياسية محتملة في أمم أفريقيا 2025 وغياب غانا والرأس الأخضر أبرز المفاجآت    شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص    أكثر من 6 ملايين عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أكتوبر 2024    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها الرابع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    "خيرية العوامية" تحقق عوائد استثمارية تجاوزت 577 ألف ريال خلال 3 أشهر    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    مقتل المسؤول الإعلامي في حزب الله اللبناني محمد عفيف في قصف إسرائيلي على بيروت    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل إلى البرازيل لترؤس وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة ال20    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    "وزارة السياحة": نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    أهم باب للسعادة والتوفيق    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    مشاركة مميزة في "سيتي سكيب".. "المربع الجديد".. تحقيق الجودة ومفهوم "المدن الذكية"    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتفال بالمولد ليس من الإسلام بل من البدع المحدثات
أصحاب الفضيلة والمشايخ يؤكدون:
نشر في الجزيرة يوم 30 - 04 - 2004

يشهد هذا الشهر - فيما يظن البعض - احتفالات بالمولد النبوي للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب هذه الاحتفالات يذهبون إليها على استدلالات فاسدة ومرجوحة. ولأهمية هذه المسألة وارتباطها بعقيدة المسلم التي ينبغي خلوها من الشوائب قامت (الرسالة) بطرح هذا الموضوع وجمع آراء أهل العلم في ذلك.. فإلى التحقيق:
مع ابن باز
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بين حكم الاحتفال بالمولد النبوي بقوله: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة - رضوان الله على الجميع - ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتابعة لشرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)؛ أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها. وقد قال الله - سبحانه - في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر. وقال - عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النور. وقال - سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب، وقال - تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة، وقال - تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه: أن الله - سبحانه - لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله - سبحانه، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والله - سبحانه - قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة. والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد عن النار إلا بيّنه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) رواه مسلم في صحيحه.
مع ابن عثيمين
أما من جانبه فقد سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - عن الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي؟ فقال: نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه - صلى الله عليه وسلم - ولا ريب أن بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا أقول مولده، بل بعثته؛ لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث، كما قال أهل العلم: نبئ باقرأ وأُرسل بالمدثر. لا ريب أن بعثته - عليه الصلاة والسلام - خير للإنسانية عامة، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (158) سورة الأعراف.
وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه، وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم، وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله، وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) قال هذه الكلمة العامة، وهو - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس بما يقول، وأفصح الناس بما ينطق، وأنصح الناس فيما يرشد إليه، وهذا الأمر لا شك فيه، لم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدع شيئاً لا يكون ضلالة، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى، ولهذا روى النسائي آخر الحديث: (وكل ضلالة في النار) ولو كان الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة؛ لأن الله - تعالى - تكفل بحفظ شريعته، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، فلمّا لمْ يفعلوا شيئاً من ذلك علم أنه ليس من دين الله، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم تتبين لهم مشروعيتها لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في عمل الصحابة - رضي الله عنهم - وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة، من الفرائض والسنن المعلومة، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع.
وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً في كثير من السنن، بل في كثير من الواجبات والمفروضات، هذا بغض النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المؤدي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه يحارب الناس عليه، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي
صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وقال فضيلته: مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله - عز وجل - وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام، إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي - عليه الصلاة والسلام -: (فإن من جودك الدنيا وضرتها)، ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول - عليه الصلاة والسلام - وليس كل جوده، فما الذي بقي لله - عز وجل - ما بقي لله - عز وجل، ما بقي له شيء من الممكن، لا في الدنيا ولا في الآخرة. وكذلك قوله: (ومن علومك علم اللوح والقلم) ومن: هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله - تعالى - من العلم إذا خاطبنا الرسول - عليه الصلاة والسلام - بهذا الخطاب، ودعا فضيلته المسلمين إلى إنزال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلته التي أنزله الله إياها، أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبد الله ورسوله، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} (50) سورة الأنعام، وما أمره به في قوله: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (21) سورة الجن، وزيادة على ذلك: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}، حتى النبي - عليه الصلاة والسلام - لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله - سبحانه وتعالى.
وخلص فضيلته إلى أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل يضاف إليها شيء من المنكرات؛ مما يؤدي إلى الشرك. وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن، ونحن في غنى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد.
هذا وقد يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشبه أوهى من بيت العنكبوت، وحصرها الشيخ صالح بن فوزان فيما يلي:
1 - دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - والجواب عن ذلك أن نقول: إنما تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه، ومحبته - صلى الله عليه وسلم -، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم، لأنه معصية. وأشد الناس تعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة - رضي الله عنهم -، كما قال عروة بن مسعود لقريش: يا قوم! والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً - صلى الله عليه وسلم -، والله ما يمدون النظر إليه تعظيماً له، ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2 - الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان، والجواب عن ذلك أن نقول: الحجة بما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. والثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - النهي عن البدع عموما، وهذا منها. وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة، وإن كثروا: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} (116) سورة الأنعام، مع أنه لا يزال - بحمد الله - في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعدما تبين له الحق. فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم)، والإمام الشاطبي في (الاعتصام)، وابن الحاج في (المدخل)، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه (صيانة الإنسان)، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
3 - يقولون: إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والجواب: عن ذلك أن نقول: إحياء ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون بما شرعه الله من ذكره في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به، وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً، لا في السنة مرة.
4 - قد يقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم، قصد به التقرب إلى الله!! والجواب: عن ذلك أن نقول: البدعة لا تقبل من أي أحد كان، وحسن القصد لا يسوغ العمل السيئ، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
5 - قولهم: إن إقامة المولد من قبل البدعة الحسنة؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!
ويجاب عن ذلك بأن يقال: ليس في البدع شيء حسن، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ويقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر - على زعمكم - إلى آخر القرن السادس، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله - عز وجل -؟ حاشا وكلا.
6 - قد يقولون: إن الاحتفال بذكرى مولده - صلى الله عليه وسلم - ينبئ عن محبته - صلى الله عليه وسلم - فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته - صلى الله عليه وسلم - مشروع.
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه -، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل:
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
فمحبته - صلى الله عليه وسلم - تقتضي إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته هو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين؛ فإن الدين مبني على أصلين: الإخلاص، والمتابعة، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (112) سورة البقرة، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله، والإحسان هو المتابعة للرسول وإصابة السنة.
خلاصة
وخلص فضيلة الشيخ الفوزان إلى أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها. ولا يغتر بمن يروج هذه البدعة ويدافع عنها، فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً، ومن كان هذا شأنه فلا يجوز تقليده والاقتداء به، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس، وإنما يقتدي بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم وإن كانوا قليلاً، فالحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.
قال - صلى الله عليه وسلم -: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)؛ فبين لنا - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف، كما بين أن كل ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة وكل بدعة ضلالة.
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة، وهذا الأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء. والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته، فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟ فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله - تعالى - منه ومن غيره من البدع؛ فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.. ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
(*) رئيس قسم الإعلام بإدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.