سجلت مكالمة هاتفية للشيخ ربيع بن هادي المدخلي مع دار الحديث بدماج، ومعها كلمة ترحيبية للشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى، وقد سجلت هذه الكلمة ليلة الثلاثاء 16/ صفر/1433ه الموافق 10/1/2012م. وبدأ الشيخ يحيى بن علي الحجوري بكلمة قال فيها:(بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا-. أما بعد: فنحمد الله القائل في كتابه الكريم: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)(النحل/53)، نحمد الله الذي مَنَّ علينا فأفضل والذي أعطانا فأجزل، أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ومن كل بلاءٍ حسنٍ أملانا. نحمد الله-عز وجل-الذي هيأ لنا ولا يزال-سبحانه وتعالى-مهيئًا لنا طلب العلم النافع الذي يرفع الله أهله درجات، وهو القائل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة/11). والذي يعقل الأمور أهله، فهو القائل: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)(العنكبوت/43). وهو القائل-سبحانه وتعالى-: (…إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ …)(فاطر/28). في هذه الكلمة هي عبارة عن مقدمة لفضيلة العلَّامة الشيخ ربيع-حفظه الله-، وقد اتصل بعض إخواننا راغبًا في الكلمة إليهم لسماع المقال وكذلك لمعرفة الأحوال، وشاء الله أن لم يتيسر ذلك وأحب فضيلته السلام عليكم، وأحب كذلك أيضًا الاطمئنان على أحوالكم، وأحب أن يتكلم معكم ويدلي بما آتاه الله-عز وجل-من خير ونصح وعلم. وهو ذلك الرجل العلَّامة المعروف الوالد الغيور على السنة وأهلها، والمحب لها ولأهلها، والمنافح عنها وعن أهلها. وقد علمتم أنِّي وهو كذلك في غاية ولله الحمد من التحاب والحرص على نفع الإسلام والمسلمين ونسأل الله-عز وجل-أن يجعل النفع والبركة للإسلام والمسلمين وأن يدفع عنَّا الفتن ما ظهر منها وما بطن. وأظن أنه الآن يسمع هذه الكلمة، ونحب أن يتحفكم بنصحٍ كما هو يرغب في إدلاء ذلك نصحًا وزيارةً وكلمة نافعة فحيهلا به على الهاتف، وحيهلا بسماع صوته وأصوات إخواننا أهل السنة في أشرطتهم وكتبهم ونصائحهم وتوجيهاتهم. ولقد والله أثلجوا صدورنا وشعرنا أننا كما يقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً…)(متفق عليه). ويقول: (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى)(رواه مسلم). والشيخ ربيع-حفظه الله-يعلم وكلكم يعلم أني أحبه وأحب أهل السنة، وأحب السنة وأهلها وهو كذلك، فأهلًا وسهلًا به وبتوجيهه وبسلامه على إخوانه واطمئنانه عليهم. وبهذه المناسبة ولا سيما بعد أن يسر الله-عز وجل-من فضله ومنِّه وكرمه وله الفضل والمنَّة بدخول الغذاء ورفع الشر شيئًا ما، وإن كان الحمد لله بقي بعض يعني: الأمر الذي نسأل الله أن يدفع الشر كله، ولكن حصل خير، نحمد الله-سبحانه-على ذلك الخير ونشكره. فأنا شاكر لأهل السنة ولعلمائهم بذروتهم ورجالهم ودعاتهم وسائر من له معروف علينا ومن ذروة ذلك فضيلة العلَّامة الشيخ ربيع-حفظه الله-وإلى كلمته فحيهلا، تفضل يا شيخ. قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد الاثنين الموافق: 15/ صفر/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة. كلمة فضيلة الشيخ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله- أما الشيخ ربيع المدخلي فقال في كلمته:(بسم الله الرحمن الرحيم.. إِنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِالْلَّهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنَ يَهْدِهِ الْلَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-. أسأل الله أن يجعل هذا اللقاء لإخواننا وأبنائنا في مسجد السنة ومعقل من معاقلها في دمَّاج، أسأل الله-سبحانه وتعالى-أن يجعل هذا اللقاء مباركًا ونافعًا ومؤلفًا بين القلوب، ولا شيء يعالج المشاكل والأخطار ويدفع الضلالات والفتن مثل العلم المستمد من كتاب الله ومن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. العلم يورث مراقبة الله-تبارك وتعالى-وخشيته (…إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ …)(فاطر/28). والعلم يقودنا إلى تعظيم الله وإجلاله-سبحانه وتعالى-، والتقرب إليه، لمعرفة أسماء الله وصفاته، أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وذلك نستقيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. ولا شيء أحب إلى الله-عز وجل-من المدح، من ذلك هو يمدح نفسه ويثني عليها، ويختم كل أو معظم الآيات باسم من أسمائه أو اسمين أو صفة من صفاته-سبحانه وتعالى-أو صفتين-سبحانه وتعالى-. فلنعرف قدر الله-تبارك وتعالى-بأسمائه وصفاته وأنه على العرش استوى، وأنه-سبحانه وتعالى-عليم بكل شيء، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، يعلم ما تكنُّه الصدور، ولا تخفى عليه خافية. يجب أن نستشعر علم الله الواسع لكل شيء، فيدفعنا ذلك إلى تعظيمه وإجلاله-سبحانه وتعالى-، ونستشعر أنه مطَّلع على حركاتنا وسكناتنا-سبحانه وتعالى-، وهو القدير على كل شيء الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، (…فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت/11)، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس/82)، -سبحانه وتعالى-. ويرى كل المبصرات والمرئيات فلا يخفى عليه شيء-سبحانه وتعالى-في الأرض ولا في السماوات، ونستشعر رؤية الله، وعلم الله، وقدرة الله-سبحانه وتعالى-، وعظمته، وذلك لا نستفيده إلَّا من العلم الصحيح المستمد من كتاب الله ومن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَبَلَغَكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَضَعُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْأَرْضَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْمَاءُ وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الزمر/ 67)[1]. فلنستشعر أيها الشباب يا طلاب العلم نستشعر عظمة الله-تبارك وتعالى-ونحبه من أعماق نفوسنا، ونحب رسوله-عليه الصلاة والسلام-، (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ….)[2]. احرصوا على أن تجدوا حلاوة الإيمان، ومنها هذه الثلاث: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ…) سبحان الله ألله أكبر، يعني: يتجرد من رغبات النفس وشهواتها وأغراضها ولا يحب إلَّا في الله-تبارك وتعالى-. (…وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، يبغض الكفر أشد البغض، ويكره أن يعود فيه كما يكره أن يلقى في النار، يكره الكفار والكفر، ويبغض البدع-والعياذ بالله-ويحذِّر منها كل ذلك حبًا في الله وتمسكًا بحبله ودينه-سبحانه وتعالى-. أقول: نقل لكم الشيخ يحيى طرفًا من فضل العلم وذكرت شيئًا منه وسأذكر شيئًا آخر مرَّ أيضًا-بارك الله فيكم-حسب ما يتيسر لي من الوقت. الله-سبحانه وتعالى-قال لرسوله-عليه الصلاة والسلام-: (…وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)(طه/114). وقال له-عز وجل-: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا…)(طه/131)، نهاه عن التطلعات إلى الدنيا وإلى ما في أيدي الناس-سبحانه وتعالى-، وأمره أن يطلب الزيادة من العلم. فلنطلب من الله-تبارك وتعالى-أن يزيدنا من العلم والفقه في الدين (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ…)[3]. ولا يجوز الغبطة على شيء من الدنيا والحسد على شيء من الدنيا، ولكن العلم لمنزلته عند الله-تبارك وتعالى-لا يحرِّم ذلك ولا يمنع منه، ويبقى لهذا الحسد وهو الغبطة (لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ…)[4] هذا الرجل يأتيه المال فيبدده في سبيل الله وفي مواضعه وينفق عن يمينه وعن شماله وأمامه وخلفه على طريقة الرسول الكريم-عليه الصلاة والسلام-هذا يغبط على هذا الخير. (…وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ…) والحكمة هي: (العلم)، (…فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) يقضي بها بين الناس ويعلم بها الناس، يقضي بالعدل والإنصاف فيما بين الناس، ويعلم عباد الله ينشر فيهم هذا الخير وهذا العلم، وهذا يغبط، يعني: يسمى هذا الحسد يسمَّى غبطة، والغبطة هي: أن تتمنى مثل ما للغير من الخير، تتمنى مثلهم ما تتمنى زوال هذه النعمة عنهم. فالحسد بغيض عند الله وأهله مبغوضون عند الله-تبارك وتعالى-لأنه يتمنى زوال النعمة عن عباد الله-تبارك وتعالى-ويحب أن يستأثر بالخير والسعة في المال والصيت في الدنيا وإلى آخره. فالمؤمن العالم النزيه يبتعد عن هذه الأشياء ويتقرب إلى الله-تبارك وتعالى-بما يحبه ويرضاه-سبحانه وتعالى-وينافس أولياءه في الخير، في بذل المال وفي طلب العلم وتحصيله والازدياد منه ونشره وبثه في الناس، فهذا أمر محمود أو أمور محمودة عند الله-تبارك وتعالى-. ويقول رسول الله-عليه الصلاة والسلام-في فضل العلم والعلماء: (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى، وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً…)[5]. فالناس ثلاثة أقسام: قسم تقبل ما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم-، حبًا، وفقهًا، وتطبيقًا، وتعليمًا، فهذا مثل الأرض الخصبة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، بل نفعه أعظم من نفع هذه الأرض، لأن العلم تحيا به النفوس، ويتأهلون بهذا العلم لمرضاة الله ولجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، (…لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ من حُمْرُ النَّعَمِ)[6]، كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لعلي-رضي الله عنه-في وقعة خيبر، قال: (…لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ من حُمْرُ النَّعَمِ)، فهذا الصنف الأول الذي قبل ما جاء به النبي-صلى الله عليه وسلم-من كتاب وسنة، ثمَّ أقبل عليه يتفقه فيه، ويستخرج منه المسائل والأصول والقضايا والأحكام ويعرف الحلال والحرام والعقائد ثم صار يدعو الناس إليه، هو صار…في الناس، فهذا مثل الأرض الخصبة التي ترضى الماء وتنبت الكلأ الكثير. والطائفة الثانية: قبلت هذا العلم لكن حفظته حفظًا، امَّا الفقه فلم يكن عندها تلك المنزلة التي أعطاه الله للصنف الأول، لكنهم بلغوا هذا العلم لأناس آخرين (فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)[7]، كما في حديث عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-، يبلغ ما عنده بأمانة، يحفظ سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حفظًا دقيقًا ويبلغها إلى الأمة بأمانة، وهذا شريك لأخيه في الخير كالأرض التي أمسكت الماء ونفع الله بها الناس. والقسم الثالث: الذين لم يقبلوا هدى الله ولم يرفعوا به رأسًا وهم: الكفار والمنافقون، وأهل البدع والضلال-والعياذ بالله-لم يرفعوا من هدى الله الذي أرسل محمد-صلى الله عليه وسلم-، ولم يرفعوا بذلك رأسًا. ونرجو الله جميعًا أن نكون من الصنفين الأولين الذين قبلوا هدى الله ورفعوا به رؤوسهم وتفقهوا فيه، ونفعوا به أنفسهم فعملوا بما فيه من عقائد وعملوا بما فيه من أحكام، وما فيه من حلال وحرام إلى آخر مقتضيات هذا العلم من الكتاب والسنة. أحث نفسي وإياكم على الجد في طلب العلم، والتفقه في كتاب الله، وفي سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بفهم سلفنا الصالح، فنعرف بذلك توحيد الله في ربوبيته وتوحيده بأسمائه وصفاته وتوحيده في عبادته، نعرف بذلك كل أنواع التوحيد حق المعرفة وما يناقضها من الكفر والشرك والضلال، فنجتنب الشرك والضلال والمعاصي التي تتنافى مع هذه الأصول. ونحفظ وندين الله-تبارك وتعالى-به في جميع أنواع العلم بما فيه أنواع التوحيد، ونبثها في الناس فإن الناس بأمس الحاجة في كل بلدان الدنيا الآن إلى نشر التوحيد بأنواعه: توحيد الربوبية وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت الذي خلق السماوات والأرض وخلق كل شيء-سبحانه وتعالى-، وهو الرزاق ذو القوة المتين-سبحانه وتعالى-. وتوحيد أسماءه وصفاته كالعلم بأسمائه وصفاته (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)[8]، ومن العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر هذه الصفات الذاتية، وصفات الأفعال كالنزول والمجيء يوم القيامة-سبحانه وتعالى-والرضى والغضب وما شاكل ذلك، نعرف هذه الأشياء ونؤمن بها وندين الله بها وننشرها في الناس. كل أنواع التوحيد ننشرها في الناس لأن الناس في أمس الحاجة إلى هذا الخير، لا سيما وعلماء السوء يحاربون هذا المنهج-المنهج السلفي-المتضمن لكل أنواع التوحيد، والمتضمن للتسليم لله-تبارك وتعالى-لكل أوامره ونواهيه وزواجره ووعده ووعيده، هذا كله متوفر عند أهل السنة والجماعة الذين دانوا بهذا الوحي في كتاب الله وفي سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-على الوجه الذي شرعه الله، وعلى الوجه الذي أراده الله، وعلى الوجه الذي علمنا رسول الله-عليه الصلاة والسلام-وتلقاه الصحابة. نعرف أيضًا مكانة الرسول الكريم-عليه الصلاة والسلام-، من القرآن العظيم-عليه الصلاة والسلام-، وأنه أفضل الرسل، وأنه سيد الناس يوم القيامة، وأنه أول الشفعاء، وأن له شفاعة-عليه الصلاة والسلام-نسأل الله أن يجعلنا من أهل شفاعته-عليه الصلاة والسلام-، نعلم منزلة هذا الرسول وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة-عليه الصلاة والسلام-. ونعرف قدر القرآن وعظمته وأنه كلام الله-تبارك وتعالى-، كلام الله الذي أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا وأنه غير مخلوق خلافًا لأهل الضلال والبدع من الروافض والخوارج والمعتزلة والجهمية وأمثالهم من أهل الضلال، نؤمن بهذا القرآن ونجله ونعظمه وندين الله من أعماق أنفسنا أنه كلام الله-تبارك وتعالى-لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ونؤمن بسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأنها هي البيان لهذا القرآن الكريم، يبين مجملاته، ويقيد مطلقاته-بارك الله فيكم-، ويوضح هذه كالصلاة مذكورة في القرآن إجمالًا والزكاة والصوم والحج وتفاصيلها وبيان جزئياتها وشروطها وما تصح به وما لا تصح كل ذلك فيه بيان من رسول الله-عليه الصلاة والسلام-الذي أسند الله إليه بيان القرآن (وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للناس ما نُزِّل إليهم)(النحل/44)، فقام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بهذا البيان على أكمل الوجوه-صلوات الله وسلامه عليه-. ونحترم أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم-ونعرف لهم قدرهم، فإنهم آمنوا بالرسول-عليه الصلاة والسلام-وجاهدوا معه وفدوه بأموالهم وأنفسهم، وفتح الله بهم البلدان، وهدى الله على أيديهم أمَمًا وشعوبًا فلهم أجرهم وأجر من آمن بالله واتبعهم إلى يوم القيامة-رضوان الله عليهم-. والله أثنى عليهم في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قول الله-تبارك وتعالى-: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه…) (التوبة/ 100). وقال: (…وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(الحديد/10)، (…لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(الحديد/10)، أحيانًا أحفظ الآية وتروح مني لكبر سني…. (…لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى…)، كل أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وعدهم الله الحسنى، والحسنى هي: الجنة، الله اعطى للصحابة هذه المنزلة-رضوان الله عليهم-. (…لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)[9]، فنحب أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم-أكثر من أنفسنا وأبنائنا وأولادنا وأموالنا، نحبهم من أعماق نفوسنا تقربًا إلى الله-تبارك وتعالى-، وشكرًا لهم على ما قدموه من جهاد وبذل للأنفس والأموال وفتوح للبلدان وهداية الناس على أيديهم، ونعرف لهم قدرهم ونبرأ إلى الله من أعدائهم الذين يبغضونهم ويسبونهم بل ويكفرونهم-قاتلهم الله أنى يؤفكون-. أسأل الله يا شباب: أن يفتح عليكم، وأن يرزقكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعلكم من خيرة الدعاة إلى الله-تبارك وتعالى-. وأوصيكم بالتحلي بالأخلاق الفاضلة تأسيًا برسول الله-صلى الله عليه وسلم-الذي شهد الله له بأنه على خلق عظيم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم/4). وإذا دعونا إلى الله-عز وجل-بهذه الخلاق الطيبة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …)(النحل/125)، فنسلك سبيل الرسول-عليه الصلاة والسلام-في تطبيقه لهذا القرآن، والتزامه به-عليه الصلاة والسلام-، وبيانه للناس والعمل به في كل المجالات نتبع الرسول ونترسم خطاه خطوة خطوة في دعوته وتبليغه وأخلاقه. والتآخي فيما بين أهل السنة هذا أمر عظيم، والتحاب في الله-تبارك وتعالى-، التحاب في الله، يقول رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، يقول الله-عز وجل-يوم القيامة: (أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بجَلاَلِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي)[10]. والله أن التحاب في الله يرفع الإنسان درجة عند الله-تبارك وتعالى-، يرفع الله بها-بهذه المحبة-درجات عند الله-تبارك وتعالى-. ويكفينا من هذا الحديث ومن حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنه: (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ)[11]. ويقول معاذ-رضي الله عنه-: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: (يقول الله-تبارك وتعالى-يوم القيامة: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ)[12]، يعني الناس يتحابون على الدنيا ويتزاورون ويتعاونون…كذا وكذا. لكن نيجي للمؤمن الصادق أنه كل أعماله لله-سبحانه وتعالى-، كل أعماله يقصد من وراءها مرضاة الله ويقصد بها أن ينال منزلة عند الله بأن يكون من المحبوبين عند الله-تبارك وتعالى-. فاحرصوا على التحاب في الله، والتواد فيه، والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. أسأل الله-تبارك وتعالى-أن يجعلنا وإياكم من هذه الأصناف الطيبة إن ربنا سميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبلغوا سلامي لإخوانكم في عموم اليمن، وأسأل الله أن يؤلف بين القلوب-سبحانه وتعالى-، وأن يجمعنا على كلمة التقوى وعلى كلمة الحق وعلى توحيده ومحبته وإجلاله وتعظيمه ومحبة رسوله وما جاء به، إن ربنا سميع الدعاء. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.