سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«قبة الجزيرة» تشارك في تدشين مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا وتستضيف ممثلين في الحوار: الملك عبد الله وضع لبنة السلم الأهلي العالمي.. وتأسيس المركز رد مثالي على متطرفي الأديان
إعداد - فهد عبدالله العجلان - نائب رئيس التحرير: تقول باحثة في الأديان التقتها «الجزيرة» في فيينا: «أول نصيحة أقدمها لِمَنْ يعتزم خوض غمار الحوار والتواصل بين أتباع الأديان والثقافات أن يفهم دينه جيدًا!».. في تلك العبارة وجدنا الرد المنصف لِمَنْ يحاولون تقزيم الدور المهم الذي يمثّله الحوار بين الأديان والثقافات في التاريخ، فضلاً عن هذه المرحلة الحرجة منه!.... فالحوار ليس ذوبانًا لقواعد الأديان وثوابتها بقدر ما يمثِّل الحاضن الرئيس لتعزيز قيم التسامح فيها وإعلاء خطاب التعاون على القيم المشتركة بينها. لم يسعنا في قبة «الجزيرة» أن نتجاوز تأسيس أول وأهم مظلة للحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات والتي وضع لبنتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -يحفظه الله- فكانت هذه الندوة: دور مركز الملك عبدالله للحوار في مواجهة التحديات في البداية سألت «الجزيرة» عن الدور الذي يمكن أن يساهم به مركز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات من وجهة نظر المشاركين في الندوة في ظل الانقسامات والصراعات التي يشهدها العالم؟ بدأ الحديث فضيلة مفتي طرابلس شمال لبنان الدكتور مالك الشعار قائلاً: تشرفنا بهذه الدعوة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدعوة كريمة من الملك لحضور احتفال تدشين مركز الحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات الذي يحمل اسمه الكريم، وأريد أن أسلط الضوء على أساس نشأة هذه الفكرة، فكم عانى الناس -دولاً وشعوباً ومجتمعات- من تقاطع وكراهية وبغضاء وحروب، نتيجة عدم احتمال بعض الشعوب أو الدول من يخالفها بالفكر أو المعتقد، وتأتي هذه الفكرة لتمثّل أملاً حضارياً وإنسانياً ولتحقق طموحاً شامخاً وعملاقاً من أجل أن نتجاوز كثيراً من المشكلات التي تُعاني منها شعوبنا ودولنا. وأردف مفتي شمال لبنان قائلا: كما أنها تمثّل أملاً كبيراً في تقريب المسافات بين الناس وبرفع الحواجز الوهمية التي جعلت كل فريق من الناس يعطي ظهره للآخر، فيتنافر الناس في المجتمع الواحد، وتبدأ الانقسامات وتنشأ بين أبناء المجتمع الواحد والدولة الواحدة، ثم بعد ذلك تتنامى الخلافات لتصل إلى حد التخاصم والتقاطع، وأتصور أن أهم فكرة لهذا المؤتمر هي تقريب المسافات بين الشعوب التي تختلف في معتقدها الديني والمذهبي التي تتباين في تصورها عن الإنسان والحياة، وتارة تتصادم مع التطور الزماني والعصري، وهدف المركز أن يتلاقى الناس ويتصافحوا ويتعارفوا، وأن تنشأ الألفة فيما بينهم والتركيز على القضايا الإنسانية الكبرى، فالتعارف لا يتحقق إلا إذا عملنا على رفع الحواجز وتقريب المسافات بين الذين تباينت معتقداتهم وأديانهم ومذاهبهم. مبادرة الملك عبدالله جاءت في وقت مهم بدوره تحدث المطران جريجوريوس يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس في حلب «سوريا» في سياق إجابته عن سؤال «الجزيرة» فقال: أعتقد بأن هذه المبادرة التي قدمتها المملكة العربية السعودية بهمَّة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت ضرورية للغاية في هذا الظرف العالمي من الزمان لعدة أسباب: أولاً: ليس بغريب عن الإسلام الحوار، فنحن المسيحيين (عادة) نتحدث عن علاقة المسيحية بالإسلام منذ ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى مرّ العصور اللاحقة. وقد ظهرت مسافة زمنية من الانقطاع في جوانب الحوار بين أتباع الديانتين المسلمة والمسيحية. وأضاف المطران: إن جميع المبادرات التي حصلت في الماضي، وبخاصة من قِبل المملكة العربية السعودية أدت إلى ولادة هذا الطفل قبل أيام، وهو مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ولكن علينا جميعاً أن نعمل معاً على أن ينمو بشكل جيد، ويصل إلى ما نحن نريده جميعاً. وأردف المطران: إن مبادرة الملك عبدالله، جاءت في وقت مهم وفي ظرف خاص، لأننا نعيش في منطقة صراعات عدة، وللأسف أن أغلب خلفياتها وأسبابها، تأتي بسبب عدم الوعي وعدم فتح باب الحوار، وعدم رؤية بعضنا وسماعنا للرأي الآخر. وهذا المركز سيكون مجالاً خصباً ومساحة لجميع من يريد أن يتخلص من أعباء الصراعات. من جهتها قالت الباحثة الأمريكية بريندا نعومي روزينبيرج: إنني أشعر بالامتنان لوجودي على هذه الطاولة بين هذه الشخصيات المهمة، كما أن حضوري لحفل افتتاح هذا المركز يشكل تجربة عظيمة بالنسبة لي، لأن هذه المناسبة أتاحت لي فرصة الالتقاء بكبار الشخصيات التي تنتمي إلى المعتقدات الدينية والثقافية المختلفة من مختلف أنحاء العالم. وأضافت: أعتقد بأن الحاجة إلى هذا المركز ماسة جداً لأن هناك عقبات كثيرة نحن في حاجة إلى تجاوزها، ومن شأن هذا المركز استقطاب القيادات الشابة من كافة الأقطار والمجتمعات للالتقاء هنا وتبادل الأفكار، فهذه القيادات الشابة تمتلك الكثير من الأفكار لمواجهة كافة المصاعب التي تتسبب في إساءة فهمنا للآخر، ولكنها لا تجد الدعم المالي والمعنوي الذي يساعدها على حمل هذه المهمة، كما أنها لا تجد الأدوات الكافية لوضع هذه الأفكار موضع التنفيذ وتقديم الإسهامات التي نحن في حاجة ماسة إليها في عالم اليوم. المركز يدعو الجميع إلى التفاؤل بدوره علق الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان مستشار وزير الشؤون الإسلامية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، قائلاً: دعونا أولاً نشكر خادم الحرمين الشريفين الذي أتاح لنا هذا المركز، وأتاح لنا اللقاء بشخصيات عالمية في هذا المكان، هذه الألفية الثالثة الميلادية افتتحت على حدث خطير، وهو أن قام بعض الإرهابيين بمهاجمة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن جانب آخر كانت هناك جماعات متطرفة تمكنت من الوصول لنقاط الحكم في أمريكا.. فكان العالم يغلي ويتجه نحو الصدام وبخاصة بين الإسلام والغرب، فالمتطرفون في الإسلام يقولون: يجب قتل اليهود والنصارى.. والمتطرفون هناك يُطالبون بنسف الأماكن المقدسة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بالسلاح النووي.. وكان العالم يكاد يفقد عقله تماماً، فجاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعبر سلسلة من المبادرات الحكيمة بدأت بمبادرة السلام 2002 حول انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وأثبت -حفظه الله- للعالم أجمع أن المسلمين والعرب، هم طلاب للسلام والعدل والحوار، ثم دعا خادم الحرمين الشريفين إلى مؤتمر قمة إسلامي في عام 2006 أدان فيه نيابة عن المسلمين الإرهاب بكل أشكاله، ودعا إلى الحوار، ثم واصل مساعيه الحثيثة، حيث في مارس 2008م دعا إلى مؤتمر العلماء المسلمين، وأخبرهم بنيته إطلاق مشروع مركز حوار الأديان والثقافات، وحصل الملك عبدالله منهم على الضوء الأخضر كعلماء كبار للمسلمين، ثم انطلق بعدها إلى مدريد، حيث عُقد اجتماعٌ لممثلي الأديان. وأضاف الدكتور اللحيدان: اتفق الجميع هناك كممثلين للأديان على أن أي حوار للأديان يجب أن يذهب إلى مرحلة جديدة ومستوى أعلى يصل للحكومات والدول، ولا يقتصر على المنظمات الأهلية، ولذلك ذهبوا في نوفمبر 2008 إلى الأممالمتحدة، حيث تمَّ عقد اجتماع خاص لمناقشة مبادرة الحوار بين أتباع الأديان، واعترف القادة السياسيون (لأول مرة) أن الأديان لها دور إيجابي يُمكن أن تلعبه في الصراع الدولي وتحقيق السلام العالمي، ثم تواصلت المؤتمرات في فيينا وجنيف حتى اتفقت الدول الثلاث المملكة العربية السعودية والنمسا وإسبانيا على تشكيل هذا المركز، ليصبح أول مركز حوار أديان على مستوى الدول (بتمثيل وزراء الخارجية)، وقد يكون المركز قطع مراحل عدة، إلا أنه ظهر بشكل قوي ورائع والجميع متفائلون. وقال اللحيدان: أعتقد بأن الوقت قد حان لتقومول الغرب بدور لتحقيق الحوار والتعايش، مثلما قام بذلك المسلمون، ولعلكم تابعتم ما حدث في المنطقة العربية من ظاهرة الربيع العربي، وبالتالي برزت خطورة جديدة، لعل المركز يُعالجها، وهي أن الأقليات في الدول العربية ووسط هذه الاضطرابات قد أحست بالخطر والتخوف، ولا بد أن يُعالج هذه الوضعية مركز الملك عبدالله العالمي للحوار، أيضاً -لا ننسى هنا- أن الملك عبدالله دعا في آخر مؤتمر قمة إسلامي إلى حوار بين أتباع المذاهب الإسلامية نفسها، وبذلك أتصور أن خادم الحرمين أكمل سلسلة الحوارات على المستوى الوطني والإسلامي والعالمي.. والملك عبدالله بهذه الأعمال المباركة قطع أشواطاً كبيرة في تحقيق السلام العالمي، ولم يسبق لقائد أن حقق ذلك. التسامح والصدام في الأديان عادت «الجزيرة» لتسأل ضيوف الندوة بأن التسامح في الأديان دائما هو السائد، إلا أن ثمة من يضع قادة الأديان كمصدر للإشكالات والتشدد، ويزداد الاعتقاد لدى راصد الأحداث بأنهم هم من يدفعون الشعوب إلى الصدام المباشر.. ما رأيكم في هذه القول وكيف يُمكن معالجته؟ علق مفتي شمال لبنان في إجابته عن سؤال «قبة الجزيرة» قائلا: قد يبدو للوهلة الأولى أن السؤال الذي تفضلتم به يمثّل جزءاً من الواقع أو الحقيقة. وإذا أردنا أن نتناول الجوانب، فإننا نقول إننا كمسلمين نؤمن بجميع الرسالات السماوية السابقة وأنبيائها وكتبها، ولا يكتمل الدين عندنا إلا أن نؤمن بالكتب السماوية والأنبياء والرسل. ودليل ذلك قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)، بمعنى آخر أننا لا نفرِّق بين أحد من رسله من حيث بعثتهم ونبوتهم وأنهم أنبياء الله ورسله.. نحن نعلن هذا المعتقد. وأضاف: ربما يكون من تقدَّم على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبحكم مسيرة التاريخ يرون أنفسهم مضطرين للاعتراف بالمسلمين، ولكن الكثير منهم لا يتجرأ أن يُعلن أن القرآن الكريم كتاب من عند الله وإيمانه ب(محمد صلى الله عليه وسلم) هو نبي الله ورسوله، قيمة هذا المركز أنه يريد أن يُقرِّب الناس حتى يذلل العقبات ويعزز الحوار والتواصل وأننا جميعاً نؤمن برب واحد هو الواحد الأحد. قيمة هذا المركز أنه يجمع ممثلين وقادة الرسالات الدينية تحت سقف واحد، كما أنه يعلن أن جميع الرسالات السماوية إنما جاءت لتكمل بعضها. وأردف مفتي لبنان قائلا: فالدين في تصوري وأنا المسلم والمفتي أنه من عند الله الواحد، وقد روى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات.. أمهاتهم شتى ودينهم واحد)، فالمراد بالدين الواحد هو الأصول أي المعتقد، وأما الشرائع فهي متباينة حسب المرحلة الزمنية والتاريخية التي بُعث بها كل نبي أو رسول.. لذا فقيمة هذا المركز العالمي الذي حمل اسماً كبيراً عالمياً وهو خادم الحرمين الشريفين، أنه يريد أن يثبت حقيقة أساسية، وهي أن جميع الأديان جاءت لتحقيق النفع والخير إلى الناس، وإذا اختلف الناس في المعتقد الديني، فلا يجوز الاختلاف في وحدانية الربّ وحتمية إيصال الخير للناس، فالأحكام الشرعية جاءت لتحقيق المصالح للعباد. وقال مفتي شمال لبنان: القادة الدينيون -وأعني- بمرجعية مكةالمكرمة وهيئة كبار العلماء ومشيخة الأزهر وجميع المرجعيات الدينية في العالم لا يجوز لهم الاختلاف في وحدة المعتقد، وأن الله واحدٌ أحد، وأن هناك يوماً يُبعث الناس فيه، كما لا يجب الاعتقاد علىلإطلاق بأن الأديان جاءت لتفرّق بين الإنسانية، وإنما جاءت للتواصل وإيصال الخير للآخرين، ونحن في ديننا الإسلامي.. يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (الخلق كلهم عيال الله) ولم يقل المسلمين فقط، بل قال: جميع الخلق يهود ونصارى، وأحبهم إلى الله أنفعهم إلى عياله، إذن فعلى القادة والمرجعية الدينية أن تقوم بتأصيل هذه القيم والمفاهيم في معابدها وكنائسها ومساجدها ومدارسها لأن الاختلاف في الانتماء الديني لا يجوز أن ينعكس على سوء العلاقة بين إنسان وآخر، وكل الرسالات كرَّمت بني آدم، وحتى الذين لا دين لهم، فلهم في ديننا وشريعتنا الإسلامية، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وقال مفتي شمال لبنان: هناك فوارق في الرسالات السماوية، ولكن الذي لا يجوز أن يكون ذلك مترجماً بسوء العلاقة بين أبناء الديانات أو الأذى أو الاضطهاد، وأن فلاناً لا يستحق الحياة لأنه ليس من أبناء ديني وملتي. الخطاب الديني عاد المطران جريجوريوس يوحنا ليعرض وجهة نظره ويضيف على ما طرحه مفتي لبنان قائلاً: سأعلن أن جانباً من حديث مفتي لبنان صحيح وأتفق معه، فبعض رجالات الدين في بعض الأمكنة يُشكّلون خطراً على المسيرة الدينية، ليس بتصرفاتهم بل بخطابهم الديني، وبخاصة عندما لا يستخدم المنبر بشكل صحيح وبكلمات نابعة من هذا الموروث الاجتماعي الإنساني الديني المعتمد على قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا، قد يسيء هذا الخطاب الديني لمسيرتنا، للأسف الشديد أن لدينا في كل مكان وكل الأديان أناساً لا يحملون رسالة الدين كما ينبغي، وليتنا نستخدم لغة الحب والتسامح والود. وأضاف: ذات مرة التقيت شيخاً إسلامياً فاضلاً، وحدّثني عن المسيح كلاماً جميلاً واعياً نابعاً من التعاليم الإسلامية، وقلت له: أقسم بالله حينما تأتي إلى بلدي سنتشرف بك أن تعظ وتخطب في كنيستي كواعظ ولست أنا، المشكلة يا إخوتي في أولئك القادة الدينيين الذين يخونون رسالتهم، فكيف يقدمون شيئاً لنا، وأعتقد بأن الخطاب الديني له وجهان: أحدهما خيّر يجب أن نهتم به كثيراً ونستثمره في مجتمعاتنا ووجه غير خيّر، ويجب علينا تجنبه ونترفع عنه، أتمنى من مركز الملك عبدالله العالمي للحوار أن ينتبه ويحررنا من بعض الجهل والأفكار منا ومنكم، لدينا مسيحيون جهلة لا يعرفون معنى الإسلام، ولا يقرؤون القرآن أو مكانة النبي أو الوحي، والذي لا يقرأ القرآن الكريم لا يعرف الإسلام، بيننا كمسيحيين ومسلمين قواسم كثيرة مشتركة، فالقرآن الكريم تحدث كثيراً عن السيدة العذراء والمسيح أكثر مما تحدث عنه الإنجيل.. أقول (أخيراً) إن هذا المركز سيكون له أهمية كبيرة في هذا الجانب. وهنا تعلق الباحثة الأمريكية بريندا روزينبيرج قائلة: أنا أعلم أن الكثير من القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية والسيخية والبوذية يرغبون في التعايش السلمي ويتحدثون عنه في خطبهم للعامة، غير أني أعلم أيضاً أن هناك قيادات تعاني من مخاوف متجذرة تمنعها من الجلوس للآخر والاستماع إليه بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة. نحن في هذا المكان أتينا من أنحاء العالم المختلفة، ويقع على عاتقنا مسؤولية المحافظة على العلاقات الطيبة التي تربط بين أصحاب المعتقدات المختلفة، ونجاحنا في تحمل هذه المسؤولية يعد خطوة مهمة إلى الأمام. فباعتباري يهودية لن يستمع إلي أحد إذا تحدثت عن معاداة السامية، ولكني إذا تحدثت عن معادات الإسلام في الغرب مثاً أو عن الشريعة الإسلامية أو عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط فسوف يجد ذلك آذاناً صاغية لدى الغير، كما أن المسلم أو المسيحي الذي يتحدث عن معاداة السامية سوف يترك أثراً طيباً لدى الغير أيضاً. ما أود أن أقوله هو أننا بالجلوس إلى بعضنا البعض ومشاركة الآخرين همومهم نستطيع أن ننجز الكثير. القادة الدينيون المسيئون ليسوا من العلماء الكبار هنا يأخذ طرف الحديث الدكتور عبدالله اللحيدان، ويقول: القادة الدينيون الذين يسيئون هم من الدرجة الثانية، وليسوا من علماء الدين الأفاضل والكبار، رأينا في العالم الغربي قساوسة يحرقون القرآن الكريم، ورأينا قساوسة خرجوا يطالبون بقتل المسلمين وطردهم من الغرب، وكذلك رأينا في العالم الإسلامي أناساً يسمون أنفسهم رجال علم صغاراً يلعبون دوراً سيئاً، وكذلك رأينا رجال دين يهود صغاراً لعبوا دوراً سلبياً بقيادة كوهين الذي طالبَ بطرد الفلسطينيين من الضفة والقطاع، للأسف كل هذا موجود ودور العلماء الكبار هو مواجهة هذا الخطر الذي يأتي من القواعد الشعبية الجاهلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يطوف بالكعبة وكان المسلمون في المدينةالمنورة بعد تهجيرهم، فأخبر الصحابة بذلك فركبوا الجمال ولبسوا الإحرام وجاءوا ليطوفوا، ولكن قريش بعنجهيتها رفضت السماح له في ذلك العام، فوافقَ الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته أن يُؤجل زيارة البيت الحرام، وحرصاً على السلام إلى العام التالي، وعندما أخبرَ المسلمين بذلك ضجّوا وانزعجوا وقالوا: كيف نرجع من أجل السلام، وكيف نقبل الدنيئة في ديننا وأنت سبقَ ووعدتنا، وكيف يُمكن لقريش أن تفرض سطوتها علينا؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد كبير إستراتيجي أصرّ على موقفه رغم الضغط الشديد من القيادات الشعبية عليه، وأقول: وهنا يبرز دور العلماء كورثة للأنبياء وعليهم مسؤولية وقد يواجهون ردة فعل، إلا أن عليهم أن يجهروا بالحق، ولنا قدوة في نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وحبه للسلام والتضحية رغم الضغوط الشعبية، فهو - -صلى الله عليه وسلم- حقق كل هذه الانتصارات بأقل الخسائر في الدماء، ولم يرض بأي دم يُسفك، وللأسف فإننا نرى في الوقت الراهن قادة شعبيين يطالبون أتباعهم بتفجير أنفسهم ليدخلوا الجنة، وهذا مُخالف للشريعة الإسلامية ولجميع الشرائع، لأن قتل النفس محرمٌ، وهذا ما أفتى به علماء المملكة الكبار منذ وقت طويل، والعلماء الحقيقيون هم الذين ينطلقون من القرآن والسنّة والثوابت الشرعية هم العلماء الحقيقيون وهؤلاء عليهم الدور الأهم. وأضاف الدكتور اللحيدان: جميعاً نأمل أن يكون لمركز الملك عبدالله العالمي دورٌ في تحقيق التفاهم وتحقيق التعارف، وأن يقوم العلماء بمسؤوليتهم في مواجهة الأشخاص الذين أسموا أنفسهم علماء، وهم ليسوا بعلماء ولكن لهم تأثيرا شعبيا، وفي اعتقادي أن علماءالمسلمين قاموا بجهد كبير، ولكنني لا أرى هذا من قِبل رجال الدين في الغرب عدا حالات فردية، ولكن ليس على المستوى العام للقيادات المسيحية واليهودية، نحن نقرأ في وسائل الإعلام الغربية، ونرى الخوف والشحن من الإسلام ينتشر ويزداد والإحصاءات أثبتت ذلك، وبالتالي فعلى الغرب أن يقوم بذلك. وتلتقط الناشطة الأمريكية المؤسس والشريك في مركز تيكتونك للقيادة الحديث معلقة بقولها: من التحديات الكبرى في الولاياتالمتحدة مشكلة فهم المقصود بحرية التعبير، ذلك لأن حرية التعبير لا تشمل في اعتقادي حرية الإساءة للمعتقدات. أعتقد بأننا في حاجة ماسة إلى التعرف على بعضنا البعض، إذ من الضروري أن يكون كل منا ملماً بوجهات نظر الأطراف الأخرى في مختلف الشؤون. من ذلك مثلاً حاجتنا للتفريق بين التصرفات التي تسبب الأذى لأي طرف من الأطراف وتلك التي تشكل بالنسبة له طعنة قاتلة. المشكلة أننا لا نعرف أبسط الأشياء عن الآخر، ولو أننا بدأنا بسد هذه الفجوة فإن ذلك سوف يمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، فمن تجربتي الشخصية أود أن أشير إلى أني مثلاً علمت من وسائل الإعلام مؤخراً أن الإساءة لنبي الإسلام يعد تعدياً خطيراً بالنسبة للمسلمين، وأن حرق المصحف يشكل استهانة كبرى بمعتقدهم. ولأن ما يأتي من وسائل الإعلام لا يشفي الغليل، أعتقد بأن تعليم الأديان مسألة مهمة في هذه المرحلة التي تشهد انفتاح أطراف العالم كله بعضه على بعض. بدوره قال الدكتور مازن مطبقاني الباحث في قضايا الاستشراق: القضية الأساسية هي عندما يصبح السياسي المتدين (متطرفاً).. وعلماء الدين بجميع طبقاتهم عليهم مسؤولية، ولكن المسؤولية أكبر عندما يكون السياسي متطرفاً متديناً وهنا يجب مواجهته وإيقاف أذاه من قبل العقلاء. أذكر في عام 1990م وقعت في يدي قصاصة مقالة من القسيس سبايد، يقول فيها: مَنْ يكون الشبح الجديد والتالي للغرب، وازداد هذا الطرح في الصحافة الأمريكية من قبل بعض المتطرفين بعد انهيار دول أوروبا الشرقية للبحث عن عدو جديد لأمريكا، ووجدوا أن العدو الجديد هو الدين الإسلامي. ويتعجب الدكتور مطبقاني قائلا: كيف يكون الإسلام، وما هذه الأوهام؟ من جانبها استغربت بيرندا روزينبيرج طرحاً كهذا، وأضافت: لا شك قد يكون هناك مثل هذا الطرح ولكن بعض القساوسة قد تجدهم أقرب مودة، ومن النصارى من يغار على الإسلام كغيرته على دينه، ويوجد منصفون أيضاً هناك كاتب أمريكي اسمه كريسو وهوهدي من ألمانيا اعترض تماماً على اتخاذ الإسلام عدواً أو شبحاً. ويكمل مفتي لبنان حديث الدكتور مازن مطبقاني، ليعلق قائلاً: ما أشرتم إليه هو جزء من الواقع، ولكن الأمل بتطور الحياة وانفتاح الناس. والأمل في قضية الحوار بين أرباب الديانات والمذاهب لم تكن سائدة منذ 50 سنة مضت مثلاً، على الرغم من أن الله عزّ وجلّ قد أمرنا بها. قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}.. ولكننا مررنا بظروف سياسية قاتمة وقاتلة، وأنا أجزم أن مركز الملك عبدالله العالمي للحوار سيُمثّل حجر الأساس للسلم الأهلي والعالمي بين الشعوب والدول جميعاً، باعتبار أن أخطر ما يهدد أمن الشعوب هو الخلافات الدينية. وأقول أيضاً إن الخلافات المذهبية بين الدين الواحد كما هو بين السنَّة والشيعة تكون حارقة لو وقعت لأنها لن تُبقي ولا تذر. لذلك ينبغي لنا العمل على المصلحة الكبرى للجميع، وهي تحقيق السلم الأهلي والسلم العالمي بين الشعوب. وهذا المركز سيُبدد هذه المخاوف وسيكون منطلقاً لمسيرة التقارب والحوار والفهم بين الشعوب وأرباب الديانات والمعتقدات، وسيعزز مسيرة السلام في لقاء الشعوب مع بعضها على كلمة سواء وتحقيق الخير للغير أيَّاً كان ذلك الغير. الضغط باتجاه تشريعات تحمي الرموز الدينية وتسأل «الجزيرة» مجدداً.. بما أن مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يمثل أعلى مظلة للحوار في العالم من خلال عضوية الدول فيه.. فهل يُمكن أن يكون هناك مبادرة وضغط باتجاه تشريعات تحمي الرموز الدينية لكل الأديان، بحيث لا يتطاول عليها الآخرون.. كجزء من السلم العالمي؟ ويجيب فضيلة الشيخ مالك الشعار مفتي شمال لبنان قائلاً: أريد أن أقول إن الإساءات إلى الأنبياء ليست حديثة، بل هي قديمة جداً.. وكما أُسيء إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بفيلم وبرسوم متحركة مسيئة، تمت الإساءة إلى سيدنا المسيح عليه السلام بفيلم كامل يندى له الجبين ولا يستطيع إنسان أن يسمعه. أنا أعتقد بأن هذه الأشياء تحدث بقصد معيّن، بهدف إثارة ردة الفعل وجرّ الشعوب إلى فتن ومشاكل، وتلك يقوم بها جهات مختصة لا تريد للسلم العالمي أن يحدث، ولا تريد لبلادنا العربية والإسلامية أن يكون بها استقرار. علينا أن نُحسن ردة الفعل حتى لا تتورط شعوبنا والعوام بحرق المتاجر والطرقات كما حدث، وهذا أمر يُخالف الإسلام وكذلك المسيحية. شخصياً سبق واقترحت لمفتي لبنان وقلت: يجب أن تتصل بأمين رابطة العالم الإسلامي ومشيخة الأزهر وبوزراء الأوقاف الإسلاميين، وتُشكِّلون وفداً يذهبون به إلى الحكام العرب والملوك وتطلبون منهم العمل في الأممالمتحدة لاستصدار قوانين وتشريعات تحرّم الإساءة إلى أي مَعلْم ديني أو نبي أو مقدسات سواء أكانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية. ولهذا فأنا أتمنى من هذا المركز العالمي الذي يحمل اسم حكيم العرب خادم الحرمين الشريفين -شفاه الله- (ووالله لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها له في هذه المناسبة)، أن يقوم المركز بهذه المبادرة في ظل علاقاته بالفاتيكان وأوروبا وكل هؤلاء اعترفوا بالإسلام، وأن يخفف الأمر بتوعية الناس حتى نضمن عدم ردّات فعل هوجاء وعمياء وخرقاء. كل إهانة لكل رمز ديني هي إهانة لكل مؤمن هنا يتداخل المطران جريجوريوس قائلاً: لا أعتقد على الإطلاق بأن الرموز الدينية تبقى محصورة في دين أو جماعة، فالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والسيد المسيح، ليسا محصورين في ديانتين، فكل إهانة لكل رمز ديني هي إهانة لكل مؤمن، أنا مؤمن بالله تعالى، ومن يُسيء إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو يُسيء لي شخصياً.. ومن يُسيء إلى السيد المسيح يُسيء لكل مسلم، وهذه الرموز هي عامة وليست خاصة.. ولا تخص ديناً ولا منطقة ولا زمناً.. إنها رموز عامة للجميع وعلينا احترامها.. ولكن حينما أقول إنه لا علاقة لي بالنبي «فلان» فهذا خطأ كبير. ونحن مؤمنون وكل هؤلاء الأنبياء يخصوننا جميعاً وعلينا الحفاظ على كرامتهم. وفي مداخلتها تقول الباحثة الأمريكية بريندا روزينبيرج: أعتقد بأن مركز الملك عبدالله العالمي للحوار له دور كبير منتظر فيما يتعلق بحل الكثير من المشاكل التي تقف حجر عثرة في سبيل التعايش السلمي بين الأديان والثقافات. أعتقد بأن هناك الكثير مما يمكننا إنجازه انطلاقاً من هذا المركز، وفي هذا الصدد يمكننا وضع قائمة أولويات بالهموم الكبرى، ومن ثم نشرع في إيجاد الحول لها، فمعسكرات الاعتقال النازية مثلاً من الهموم الكبرى التي ينبغي أن تشغل بالنا جميعاً، ليس لما سببته من أذى لليهود، ولكن لما لحق بالفلسطينيين -أيضاً- الذين فقدوا الكثير من الأرواح والممتلكات. هذا المركز يوفر لنا المكان الذي يمكننا الالتقاء فيه ومن ثم نتحرك إلى التجمعات السكانية لأصحاب الديانات المختلفة في مواقعهم لكي ننشر بينهم مبادئ التسامح والتعايش السلمي، ذلك لأن الناس هناك لن يصدقوا أن امرأة يهودية من الولاياتالمتحدة تجلس على طاولة واحدة مع مفتي مسلم ومستشار لوزير الشؤون الإسلامية في أهم بلد مسلم. ما يحدث بيننا الآن يكاد لا يخطر على بال أحد من المنتمين إلى الديانات المختلفة، لذا أعتقد بأن هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من بعضنا البعض، كما أن هناك الكثير مما يمكننا أن يدعم فيه كل منا الآخر. هذا ما أحلم به من إنشاء هذا المركز. بدوره يطرح الدكتور عبدالله اللحيدان وجهة نظره حول قضية الإساءة للرموز الدينية، ويتفق مع جميع ما طُرح ويضيف: أعداؤنا المتطرفون سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي، هم يريدون ويسعون نحو مثل هذه الإثارة، لأنهم يعيشون من جراء ذلك، سواء أكان اليمين المتطرف في الغرب أو المتطرفين في العالم الإسلامي، ويجب علينا كعلماء أو مسؤولين أو دعاة للحوار والوسطية ألا نسقط في هذا الفخ، ففي الغرب، قام المتطرفون بإخراج فيلم مسيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لإثارة المسلمين، ثم قام المتطرفون من العالم الإسلامي باستغلال الفرصة والهجوم على السفارات وقتل الدبلوماسيين وحدثت مشكلات وكادت أهداف المتطرفين في الجانبين أن تتحقق، أتفق معكم جميعاً، وأرى أن الرد المثالي والبعيد المدى لكل ذلك، هو مركز الملك عبدالله العالمي الذي يدعو للحوار والنقاش، ويثير هذه الأمور ونستفيد من تجارب بعضنا البعض ونحقق السلام العالمي. * * * * * المشاركون في الندوة: - فضيلة الشيخ مالك الشعار مفتي طرابلس شمال لبنان - المطران جريجوريوس يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس في حلب (سوريا) - بريندا نعومي روزينبيرج (Brenda Naomi Rosenberg) الباحثة الأمريكية من أصل يهودي، المؤسس والشريك في مركز تيكتونك للقيادة - الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان مستشار وزير الشؤون الإسلامية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود - الدكتور مازن مطبقاني الباحث في قضايا الاستشراق