الاضطرابات التي أعقبت الكشف عن إنتاج الفيلم المسيء للرسول - صلى الله عليه وسلم - أثبتت فائدة وأهمية إشاعة ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وجدوى إنشاء مركز لحوار أتباع الديانات في فيينا، التي تحتل موقعاً متوسطاً في أوروبا. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يعمل على تعميم ونشر ثقافة الحوار والتسامح بين أتباع الديانات السماوية، يعمل وفق توجُّه حضاري وبُعد قراءة مستقبلية لما ينتظر العالم من أحداث؛ لذلك فقد بادر إلى الدعوة إلى نشر ثقافة التسامح التي تعتمد على احترام الآخر والمعتقدات التي يؤمن بها كل إنسان، وعدم الإساءة لمقدساته والرموز الدينية التي يقدسها ويحترمها الأتباع؛ إذ إن احترام ما يؤمن به الآخر وإشاعة التسامح يحاصران الكراهية وكل مظاهر العداء التي يعمل المتطرفون والمتشددون على إشعالها من خلال الإساءة لآخرين وإلى معتقداتهم. الآن، فإن ما أفرزته جريمة إنتاج فيلم مسيء، ينال من نبي الرحمة والتسامح، محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، الذي استفز ملياراً ونصف المليار مسلم، هو التسبب في مقتل عدد من الأبرياء «السفير الأمريكي في ليبيا وثلاثة من الموظفين الأمريكيين واثنين من السودانيين ومثلهما في اليمن وتونس»، يعدون ضحايا، دماؤهم مسؤولية من أنتج ذلك الفيلم المسيء، وموله وروَّج له؛ فهذا العمل المشين هو ما أشعل الفوضى التي لم يتم التعامل معها التعامل الصحيح؛ فالمظاهرات والاحتجاجات الفوضوية والغوغائية لا تثبت حقاً بل تضيعه، وكان الأجدر أن نواجه إساءة وإجرام الآخرين بعمل منظَّم حضاري؛ فالذين أنتجوا الفيلم كان يفترض أن يواجَهوا قضائياً، وأن يساهم رجال الأعمال المسلمون وكل من يحب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكلنا يحب الرسول، في تمويل حملة عالمية، وتكليف محامين أمريكيين لرفع دعاوى على تلك الشرذمة الحاقدة، وحتى الحكومة الأمريكية؛ لوقف التمييز في تطبيق ما يسمونه بحرية الرأي، التي تتيح الإساءة للرموز الإسلامية وحتى المسيحية، في حين تحرم الاقتراب من أي شيء يفسَّر على أنه إساءة لليهود..!! وإضافة إلى المقاضاة، ومواجهة دعاة الكراهية بالقانون، يجب العمل على نشر ثقافة التسامح والتقريب بين أتباع الديانات السماوية. وفي هذا السياق أمام كل من يعمل من أجل احترام حقوق الإنسان، والدعوة إلى المساواة والتسامح، أساس قوي، أرساه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء مركز حوار الأديان والثقافة؛ فيجب أن تنصب جميع الجهود الدولية الساعية لتعميم ثقافة التسامح في مسارات وجهود ذلك المركز. أما بالنسبة للمسلمين، فإن الأساس موجودٌ أيضاً من خلال الهيئة العالمية للتعريف بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، فمن خلال هذه الهيئة الموجودة، التي لها نشاط جيد، يجب أن تتكثف الجهود لنصرة رسولنا الكريم. فتنظيم حملات الرد على الأعداء والعمل على مقاضاة من يسعون للإساءة، وتفعيل وتنشيط ثقافة التسامح والحوار، والاستعانة بالقضاء والعلاقات الدولية لتجريم الإساءة إلى المقدسات والرموز الدينية، هي ما يجب أن نقويه، وليس إشعال الفوضى والاضطرابات في بلداننا، ومحاصرة السفارات التي تسيء لنا، وتكرِّس حجج وادعاءات مشعلي الكراهية. [email protected]