حدثني أحد أعضائها أنه في عام 1405ه أي قبل ما يقارب ثمانية وعشرين عاماً تم تكوين لجنة لتسمية شوارع وميادين مدينة بريدة. ومن ذلك الحين واللجان تتشكل والأسماء تتغير والمنايا تتخطف بعضهم وشوارع بريدة مازالت تنتظر تلك الأماني الطويلة في لوحات جميلة تحفظ فيها الأسماء ويخلد عبرها الوفاء. لك أن تتجول في شوارع جدة والرياض أو الدمام أو الخبر وغيرها، بل حتى للجارة الشقيقة عنيزة لتشاهد تلك اللوحات الجميلة التي تزين شوارعها وتحمل اسم شخصيات وطنية وعلمية وثقافية جدير أن تحفظ أسماؤها وتخلد ذكراها. «بريدة» تلك المدينة الحالمة التي أخرجت رجالات العقيلات بأسرها الكبرى وشخصياتهم العملاقة حيث جابوا القفار والصحاري وقطعوا بطون الأودية بحثاً عن لقمة العيش. استوطنوا الشام والعراق وفلسطين فكان نعم الرجال في ثقافتهم وسيرتهم وأخلاقهم وصدقهم. لم يحفظ لواحد منهم اسم ولم يخلد لبارز منهم ذكرى. إنه الوأد الذي منيت به بريدة منذ سنين طويلة. لن تجد اسماً لمؤسس بريدة الأول راشد الدريبي ومناصر الدعوة حجيلان بن حمد وغيرهما. لن تجد اسماً لشارع يذكر فيه أحد رجال العقيلات أو رجال الملك عبدالعزيز الذين صدقوا مع الموحد في السراء والضراء ولم يعاملهم كرعايا وأفراد بل أصدقاء وأخلاء فأين شارع محمد بن عبدالرحمن الشريدة. الذي قتل تحت راية الموحد في وقعة جراب وكان له موقفه المشهود والمشكور إبان دخول الملك عبدالعزيز لبريدة سنة 1326ه في قصة بطولية فذة. وأين شارع الحكيم العاقل الفذ فهد العلي الرشودي أحد أبرز شخصيات الجزيرة العربية حنكة وذكاء وفطنة. وأين شارع الوجيه عبدالعزيز الحمود المشيقح الذي حظي بتقدير الموحد وزياراته له في كل مناسبة ومراسلاتهما التي تعبر عن مدى التقدير البالغ له ومواقفه مع الموحد رحمه الله. وأين شارع المحسن الكبير الذي قضي على ثروته وقتل أبناؤه من أجل بريدة ووطنه، الثري الشهير محمد بن عبدالرحمن الربدي. وأين شوارع وميادين العلماء الكبار والفطاحل الأفذاذ أمثال العلامة محمد بن عبدالله بن سليم وابنيه عبدالله وعمر رحمهما الله. والشيخ سليمان المقبل قاضي بريدة وأول قاض دون اسمه الشيخ عبدالعزيز بن سويلم والشيخ العلامة عبدالله بن محمد بن حميد والشيخ صالح الخريصي وغيرهم من الأعلام الكبار. وأين الشخصيات من رموز العلم والثقافة الكبار أمثال العلامة وعميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي وصديقه الكاتب الصادق علي الحصين وسليمان العيد وسليمان الرواف ومحمد البشر. أين التسميات من رجالات الدولة ووزرائها عبدالرحمن الطيشي وعبدالله العيسى وتركي العطيشان ومحمد أبا الخيل وقائمة لا تنتهي من الرجال الأفذاذ. والكتبة الأوائل صالح الصقعبي وعبدالعزيز الفرج ومحمد الوهيبي وناصر السيف وسليمان العمري وعبدالله الدليقان ومعلم القصيم الأول الشيخ عبدالله إبراهيم السليم والشيخ صالح العمري وسليمان الشلاش وغيرهم. إنها سلسلة طويلة من الأسماء التي جدير أن تحفظ ولكنه الوأد الذي ابتليت به شوارع بريدة في التسمية وفي الأرصفة وفي جمالها وهوائها ونسيمها حتى خبوبها امتدت إليها اليد لا لتضفي على هذا العقد الجميل من النخيل والأشجار مزيد عناية ولكن لتغير الأسماء إلى أسماء حديثة تفصل الوطن عن التاريخ في جناية جديدة على الأجيال والأبناء. من غيَّب الشوارع الجميلة والميادين الفسيحة والحدائق الغناء لتصبح «بريدة» في وجه عبوس ممزقة الأشلاء والأوصال. متهالكة البنية في مشاريعها مشوهة في مداخلها لم يفلح المجلس البلدي في ترميم بعض الخدمات الموجعة وعذرهم الذي مللناه وهرمنا منه «بريدة تكبر وتتسع». وها هي المدن الأخرى الكبرى تزداد جمالاً ويكثر سكانها وتنمو حاجاتها. فلماذا حكاية الوأد في بريدة. ما الذي جعل طريقاً واحداً في بريدة «طريق الملك فهد» يجري العمل في تنفيذه ثلاثون عاماً تعاقبت أجيال وهرمت أعمار من أجل شارع أو طريق؟ ما الذي وأد المشاريع المنتظرة أسوة بشقيقاتها من المدن الأخرى فلا تكاد تشاهد طريقاً معبداً بشكل لائق أو جميل أو حديقة مميزة تصلح للتنزه والجلوس؟ إنها حكاية من الوأد مديدة والأسى محزنة في شوارعها الجديدة في أحيائها الحديثة سوف تحكي لك قصة طويلة من التعرجات و»اللفات» والتحويلات عاشتها بريدة منذ أربعين عاماً ومازالت الخدمات البلدية والجميع يتفق أنها لا تتلاءم مطلقاً مع طموح بريدة وأبنائها الذين يحلمون بمدينة جميلة أسوة بشقيقاتها من مدن المملكة، خصوصاً في عهد زاهر وهو عهد خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- عهد الرخاء والسخاء والبذل والعطاء. عوداً على ذلكم الطريق «طريق الملك فهد» الذي قضى في تنفيذه أكثر من ربع قرن ها هو لا يزال وجهاً سيئاً في صيانته فلا تشاهد أي خضرة تطوقه أو ظلاً تجلس بجواره أو شجرة يأنس بها قاعد أو ماش. إنه شارع أجرد مهمل كثير المداخل لا يحمل أي بصمة اهتمام من قبل القائمين أو المسؤولين عنه إنها صورة من صور الوأد في بريدة. كتبت قبل أشهر في جريدة عكاظ عن نداء للمحافظة على مبنى أول مدرسة في بريدة وهي مدرسة الفيصلية التي تأسست سنة 1356ه ومازال مبناها القديم يتهاوى ويد المسح والإزالة تطال كل شيء إلا أن تواريه في زاوية من زوايا المجلس جعل تلك اليد تتأخر قليلاً نسياناً أو عدم معرفة. لم يبق مشهد لأثر أو مبنى قديم يستحق الإشادة من تلك المدرسة فأين هيئة السياحة؟ وأين المجلس البلدي؟ أو أين أمانة المنطقة؟ ومن الصور كذلك تحجيم دور الأهالي من قبل الأمانة والأجهزة التنفيذية الأخرى فليس هناك مشاركة فاعلة من قبل رجال الأعمال هناك وما ذاك في نظري إلا لسوء التعامل والإحباط الذين يشعروا به تجاه الخدمات البلدية المقدمة لهم. لن أسرد قائمة طويلة من المشاريع المتعثرة والمتهالكة لمدينة مثل بريدة شارع الثمانين في حي مشعل وتقاطع الأربعين مع طريق الملك فهد والأحياء التي تستحي من المسير فيها مثل العكيرشة والنقع. بل حتى الأحياء الجديدة لن تجد حياً متميزاً حظي برعاية واهتمام يصلح أن يكون أنموذجاً للسكنى. بقي أن أقول إن الحاجة ماسة الآن من أي وقت مضى لتفعيل الدور الهام الذي يمكن أن يقوم به مجلس أهالي بريدة الذي أيضاً تم وأده. والأمل في ذلك معقود بعد الله على صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم وسمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن سعود بن عبدالعزيز لإحياء مجلس الأهالي أسوة بالمحافظات الأخرى لينهض بدور شراكة رئيس مع الجهات الخدمية الأخرى وإحداث تناغم بين القطاعين العام والخاص. وإذا كان المجلس البلدي لم يستطع أن يحقق طموحات أبناء المدينة في ذلك فقد آن الأوان للبحث عن حلول عاجلة لإنقاذ بريدة التي تنهش بها أيادي الوأد من كل حدب وصوب، وهذا هو الأمل بسمو أمير المنطقة الذي له مواقف جسورة في خدمة مدن وقرى منطقة القصيم وفي طليعتها مدينة بريدة. [email protected] فاكس: 014645999