أشرت في المقالات السابقة إلى أن هناك حاجة لأن نكون أكثر حكمة وأن نعي المخاطر التي يمكن أن تعصف بنظامنا الصحي إن نحن خطونا خطوات غير محسوبة ذات أفق قصير المدى، وهذا ما يبدو أننا نفعله في ظل توجهنا الحالي للتوسع في التأمين الصحي الخاص الذي سيعني أن نظامنا الصحي سيواجه دون أدنى شك صعوبة كبيرة في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية على المدى الطويل والتجربة الأمريكية تؤكد ذلك. ويقصد بالاستدامة الاقتصادية Economic Sustainability أن لا يكون الإنفاق الحكومي على الخدمات الصحية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أو كنسبة من إجمالي الإنفاق الحكومي مرتفعاً بصورة تجعله يشكل ضغطاً على الموارد المتاحة ما يؤثر سلباً على قدرة الدولة على تقديم الخدمات الحكومية الأساسية الأخرى، والاستدامة المالية Fiscal Sustainability يقصد بها أن ما يتوافر من موارد مالية للنظام الصحي قادرة وكافية لمواجهة مصروفاته سواء كان ذلك من خلال زيادة الموارد المالية المخصصة له أو من خلال رفع كفاءة النظام الصحي بما يقلل التكاليف لتتناسب مع الموارد المالية المتاحة. ولضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستدامة الاقتصادية والمالية في نظامها الصحي لجأت معظم الدول المتقدمة إلى تطبيق التأمين الصحي العام الشامل وقيدت التأمين الصحي الخاص بشكل كبير. ومن بين أبرز هذه الأنظمة المطبقة للتأمين الصحي العام الشامل النظام الصحي الكندي، وهو نظام ذو أساس ضريبي، أي أن الخدمات الصحية تمول من خلال الإيرادات الضريبية الفدرالية ومن الإيرادات الضريبية على مستوى المقاطعات الكندية ولا يفرض ضرائب إضافية لهذا الغرض. وبموجب قانون الصحة الكندي Canada Health Act الصادر في عام 1984 فإن الهدف الرئيسي للسياسة الصحية الكندية هو حماية وتحسين واستعادة الصحة البدنية والعقلية لساكني كندا من خلال تسهيل حصولهم على الخدمات الصحية دون معوقات مالية أو غيرها. وتقوم الحكومة من خلال الميزانية الفدرالية بتخصيص أموال عامة لحكومات المقاطعات لدعم الخدمات الصحية فيها بحسب عدد السكان لضمان دعم متساوي لجميع الكنديين بغض النظر عن مكان إقامتهم، إلا أن معظم تمويل الخدمات الصحية يأتي من حكومات المقاطعات التي تقوم بتوفير معظم الموارد المالية الحكومية المخصصة لتأمين الخدمات الصحية المجانية للمواطنين. وبشكل عام يشكل التمويل الحكومي للخدمات الصحية حوالي 70% من إجمالي الإنفاق الصحي، فيما يشكل التمويل الخاص حوالي 30% والتي يمثل في الغالب تكاليف الخدمات الصحية غير المغطاة بموجب قانون الصحة الكندي. وبموجب قانون الصحة الكندي يحصل الكنديون على مختلف الخدمات الصحية الأساسية مجانا، ورغم أن معظم الممارسين العاملين يعملون لحسابهم الخاص إلا أنه يتم الدفع لهم من قبل الحكومة على أساس رسم لكل خدمة fee-for-service، حيث تقوم السلطات الصحية في كل مقاطعة بمفاوضة الجمعيات الصحية لتحديد تكاليف كل خدمة وعلى كل طبيب أن يلتزم بهذه التكاليف التي يتم الاتفاق عليها وإن رغب في فرض أسعار أعلى فعليه الخروج من نظام الدفع العام حتى يتمكن من ذلك. وتقدم خدمات الإقامة في مستشفيات حكومية تمول من خلال مبالغ مالية تخصص لها في الميزانية، أما المستشفيات الخاصة فيتم الدفع لها بحسب الخدمة المقدمة وفق تكلفة محددة لكل خدمة وهذه المستشفيات تكون في الغالب للعناية طويلة الأجل ولا تستهدف الربح وتشكل المستشفيات الخاصة أقل من 5% من المستشفيات الكندية. أما بالنسبة للتأمين الصحي الخاص فتوجد قوانين في مختلف المقاطعات الكندية إما تمنع أو لا تشجع على التأمين على نفس الخدمات الصحية المأمن عليها من قبل الدولة، لذا فإن التأمين الصحي الخاص في كندا تكميلي يغطي الخدمات التي لا تغطيها الخدمات الصحية الحكومية بموجب قانون الصحة الكندي، كالعناية بالأسنان والعيون وجراحات التجميل ونحوها، ويمتلك حوالي 65% من الكنديين تأمينا صحياً خاصا تكميلياً يحصلون عليه في الغالب من خلال تنظيمات مرتبطة بالعمل. أما بالنسبة للأدوية فإنه بموجب نظام الصحة الكندي فإن جميع الأدوية التي تصرف داخل المستشفيات الكندية تؤمن مجاناً بتمويل حكومي، أما ما يتم صرفه من أدوية خارج المستشفيات الكندية فهناك برامج فدرالية وعلى مستوى المقاطعات وعلى مستوى الحكومات المحلية لتأمين الأدوية مع بعض الاختلاف من حيث متطلبات الأهلية وتفاوت من حيث المبلغ الذي يلزم دفعه من قبل المريض للحصول على الدواء، كما يوجد برامج عامة لتأمين الدواء للمحتاجين على أساس السن والدخل والحالة الصحية، وبشكل عام فإن معظم الكنديين يستطيعون الحصول على حاجتهم من الأدوية من خلال التأمين الصحي الحكومي أو التأمين الصحي الخاص التكميلي. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam