تتنافس الشركات على طرح منتجات تخلب لب المستهلك، وتستنزف جيبه بذكاء شديد! ولأنَّ الصديق الأستاذ حمد القاضي يعاني مثلنا جميعاً من «غزو» الشركات على الجيوب، فقد كتب في زاويته بهذه الجريدة في الأسبوع الماضي تحت عنوان «الأجهزة الجديدة وذكاء يفوق ذكاءنا»، عما أسماه «ثقافة الإغراء واستنزاف الجيوب»، وتحدث عن أجهزة الجوالات الذكية وأجهزة الكومبيوتر الجديدة التي ما أن نشتريها ونتعود على استخدامها حتى تدهمنا موجة جديدة منها فتستنزف جيوبنا من جديد. نحن نعيش في مجتمعات استهلاكية مغلوبة على أمرها أمام دهاء الشركات في التسويق وترويج المنتجات. لكنني أرى أن تسابق الشركات في تطوير وابتكار الأجهزة الذكية نعمة كبيرة لا نقمة، بخلاف بعض المنتجات الاستهلاكية التي تقذف بها الشركات في الأسواق فيتسابق الناس على شرائها، وهي في الواقع لا تملك مزايا إضافية حقيقية عن سابقاتها التي سرعان ما يتخلص منها المستهلك لمجرد الرغبة في مواكبة الجديد. لقد فقد مبدأ «سيادة المستهلك» الذي ما زال معظم الاقتصاديين يؤمنون به الكثير من بريقه ومصداقيته، وهو المبدأ الذي يقرر أن المستهلك هو الذي يحدد ما يريد استهلاكه من خلال إقباله على شراء منتجات معينة دون غيرها، مما يدفع المنتجين إلى إنتاج المنتجات المطلوبة والانصراف عن المنتجات التي لا تلاقي إقبالاً من المستهلك؛ وكل ذلك بسبب دهاء المسوقين الذين «يصيغون» ذوق المستهلك وفق ما يريدون وبما يخدم منتجاتهم ويفرضها فرضاً من خلال الحملات الإعلانية! وقد كتب كثيرون عن سقوط مبدأ «سيادة المستهلك» وانحسار أهميته في الوقت الراهن، ومن أولئك الاقتصادي الشهير جون كينيث جالبرث. أما الأجهزة الذكية، وفي مقدمتها أجهزة الكمبيوتر والاتصالات والأجهزة الطبية ومثيلاتها من الأجهزة التي يتسابق منتجوها في توظيف التقنيات المتطورة وإدخالها فيها، فتاثيرها حقيقي نلمسه ونستفيد منه. ولنا أن نسترجع مسيرة تطوير الكمبيوتر خلال جيل أو جيلين لنرى الفارق الكبير في الأداء والكفاءة بين أجهزة الكمبيوتر القديمة الضخمة البطيئة والأجهزة الحالية التي تتسم بالسرعة والكفاءة وصغر الحجم. ويمكن أيضاً تأمل كيف أصبح جهاز الجوال الصغير كتلة ضخمة من الأجهزة المجتمعة: فهو هاتف، ومسجل، وكميرة، وفيديو، وآلة حاسبة، ومكتبة سمعية وبصرية، وسجل عناوين، ودليل هاتف، ودفتر ملاحظات، وأرشيف، وكمبيوتر متكامل يحتوي على كل ما نعرفه الآن وما نستمتع به من مزايا! إنني أسجل إعجابي بهذا التسابق المثير في إنتاج الأجهزة الذكية، وأتمنى أن أجد لبلادي مكاناً بارزاً في القريب العاجل بين الدول المنتجة لهذه الأجهزة مثلما استطاعت كوريا الجنوبية أن تحقق لنفسها خلال مسيرة تطويرية ليست بالطويلة؛ لكنني أتفق - في الوقت ذاته - مع الأستاذ حمد القاضي في استشراء النزعة الاستهلاكية وسطوة الشركات التي تفرض على المستهلك منتجات استهلاكية عادية لا تحمل قيمة مضافة حقيقية لولا التشويق والإغراء الإعلاني. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض