أيوا (أمريكا) - حاسن البنيّان: إن من أولى واجبات وسائل الإعلام السعودية المختلفة بما في ذلك وسائط الإعلام الجديد أن تقوم بدورها الطبيعي في مواكبة الإنجازات القياسية الطموحة التي تتحقق في الملحقية الثقافية السعودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعد أكبر ملحقية ثقافية سعودية في العالم تضم 85 ألف مبتعث ومبتعثة مع مرافقيهم، يتلقون تعليمهم في 1200 من أرقى الجامعات والمعاهد بما يعادل أكثر من ثلثي المبتعثين السعوديين حول العالم، لهذا فهم يمثلون أكبر جامعة وجالية سعودية في الخارج وأكبر بعثة طلابية أجنبية في أمريكا بعد الصينيين..!! اهتمام إعلامي شبه مغيّب!! إن المنجز السعودي خارج الحدود هو أيضاً مصدر فخر واعتزاز للوطن ولأهله كالذي يحدث في داخل الوطن، لهذا يجب أن نسعد ونفرح ونحتفي به. وهذا هو الذي جعلني أطرح هذا التساؤل المحيّر: لماذا الاهتمام الإعلامي والصحافي السعودي الرسمي والخاص تجاه الإنجازات الكبيرة التي تحققت أخيراً في ملحقية أمريكا يعد خجولاً وشبه مغيّب وغير منصف، رغم أن ما تحقق ويتحقق يعكس الصورة الحقيقية والطبيعية لنجاح برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والذي لم يفرق بين أبناء الوطن وجنسهم ومناطقهم وقبائلهم وأعراقهم..؟!! فما الذي يعنيه هذا القصور الواضح، أو الفاضح والأمر سيان..؟! بعض الناس يرى أن تجاهل بعض وسائل الإعلام للإيجابيات من شأنه بلورة صور ذهنية خاطئة للمتلقي لا علاقة لها بالواقع والحقيقي، هدفها محاولة تشويه وطمس الحقائق والصور الإيجابية لما تقدمه الملحقية الثقافية السعودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل إغفال التجربة الناجحة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والتشكيك على فشله، ولا يستبعد أن يكون وراء هذه التصرفات فئات معروفة تعمل ضد أيدلوجية الابتعاث أو من أولئك الذين سبق أن طبقت عليهم أنظمة الملحقية لتقصيرهم، أو هم من أعداء النجاح..!! أما في بعض المواقع الإلكترونية المشبوهة فيجري تداول تجريح وإساءات وافتراءات لرموز وطنية مخلصة لتشويه الحقائق دون أي استناد على إثباتات وأدلة بينة..!! لكن تبقى الحقيقة واضحة وجلية، ففي ملحقية واشنطن قصص نجاح باهرة تعد مفخرة للوطن وللمسؤولين في وزارة التعليم العالي، كما أن مسيرة الإصلاح والتطوير تتواصل. ومن أراد أن يتعرف على المزيد من حقائق الإنجازات بإمكانه زيارة مقر الملحقية في مقاطعة (فيرفاكس) بولاية فرجينيا القريبة من العاصمة (واشنطن)..!! ولإحقاق الحق، فإن قلة قليلة من كتّاب الرأي في بعض صحفنا المحلية لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة تناولوا جوانب مضيئة من إنجازات الملحقية، كالزميل الدكتور علي الموسى في جريدة (الوطن)، والدكتور عبدالله بخاري في (عكاظ)، وتعد صحيفة (الجزيرة) الصحيفة السعودية الوحيدة التي زارت الملحقية في ديسمبر الماضي والتقت الملحق وتحاورت معه واصطحبها في جولة شاملة على مرافقها وتجهيزاتها، ونشر اللقاء معه على صفحتين متقابلتين. شواهد من الإنجازات..!! والانطباع السائد بين أوساط المبتعثين والمبتعثات ومرافقيهم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هو أن الدكتور محمد بن عبدالله العيسى، الملحق الثقافي السعودي بأمريكا، يعمل بصمت وبقدرات استثنائية بعيداً عن صخب وأضواء الإعلام السعودي لتذليل المصاعب وتحسين الأوضاع، لإيمانه القوي برسالته واعتزازه بوطنه وبقيادته، وهو يكفيه ما يعبر به دائماً لزائريه الذين يستقبلهم في مكتبه المشّرع بابه دون مواعيد مسبقة: «أنا محظوظ لأنني في هذا المكان لي 85 ألف بنت وولد في الولاياتالمتحدةالأمريكية»!! والمنصفون للدكتور محمد العيسى يؤكدون أن الرجل عندما جاء للملحقية في منتصف عام 2007م لم يكن عدد المبتعثين يتجاوز ال7000 طالب وطالبة، وعددهم الآن 85 ألف مع مرافقيهم، ويجري التخطيط حالياً لاختيار أفضل 300 جامعة متميزة من بين 1200 جامعة أمريكية ليقتصر الابتعاث إليها من خلال خفض تدريجي في كل عام في عدد الجامعات التي يدرس بها المبتعثون الآن.. ويفاخر د. العيسى على أن نسبة التسرب أو الذين لم يكملوا دراستهم من المبتعثين تعد نسبة ضئيلة جداً لا تتجاوز ال10% مقارنة بالمجموع العام للمبتعثين وهي أفضل بكثير من أي نسبة تسرب أو فشل في أي جامعة داخل الوطن، كما أن نسبة التفوق والتميز دراسياً وعلمياً بين المبتعثين مرتفعة، وكان من بين أول دفعة تتخرج من برنامج الابتعاث العام الماضي 22 مخترعاً سعودياً من الجنسين، وتعمل الملحقية على حصر للمتفوقين والمتميزين لتكريمهم في (يوم المهنة) الذي يقام سنوياً أثناء احتفال التخرج.. طلب وظيفي على الخريجين..!! ويحسب للدكتور محمد العيسى بادرته الرائدة التي بدأها منذ 5 سنوات بدعوته كبريات الشركات والمؤسسات والبنوك الوطنية للاشتراك في يوم المهنة الذي يقام على هامش احتفال التخرج السنوي في مقر الملحقية لإتاحة الفرص الوظيفية للخريجين من المبتعثين، وقد شاركت العام الماضي 170 من أكبر الشركات مثل أرامكو وسابك وبنك (سامبا) وبنك (ساب) ومصرف (الراجحي) وغيرها، وأصبحت هذه الشركات أكثر طلباً لتوظيف خريجي أمريكا بنسبة تصل إلى (34-27%).. وكان من أهم المعوقات التي واجهت برنامج الابتعاث في بدايته عام 2005م عدم قبول تعليم وتدريب الأطباء السعوديين للحصول على الزمالة والبورد الأمريكي، وكان وقتها من النادر أن تجد في السعودية طبيباً استشارياً سعودياً من خريجي أمريكا، وكلهم من خريجي كندا وبريطانيا وألمانيا، وبدأ في عام 2007م قبول عشرة أطباء فقط في ظل عدم وجود أية اتفاقية مع المستشفيات الجامعية والكليات الطبية، في حين أنه الآن يوجد 1500 طبيب وطبيبة سعوديين يحضّرون للحصول على الزمالة والبورد الأمريكي، وأكثر من 500 طبيب وطبيبة أسنان، وأكثر من 400 صيدلاني وصيدلانية، وأعداد كبيرة أخرى من المهندسين والمحاسبين والمتخصصين في العلوم الصحية وتخصصات أخرى، كما توجد حالياً 150 اتفاقية مع مستشفيات تعليمية وكليات للطب، واستحدثت الملحقية إدارة متخصصة داخلها للإشراف والمتابعة على هؤلاء المتدربين من خلال 14 موظفاً سعودياً بإدارة طبيبة سعودية هي الدكتورة سمر السقاف.. تجاوز عرف دبلوماسي..!! وعندما تسلم د. محمد العيسى عمله في منتصف عام 2007م كانت الملحقية تشغل مبنىً ضيقاً مستأجراً بأكثر من مليون دولار سنوياً وأسعار الإيجارات في المنطقة نفسها في تصاعد مرتفع، فحرص مبكراً على إنشاء مبنى مستقل ملكاً للملحقية لاستيعاب تزايد المبتعثين والحاجة لتوظيف كوادر بشرية، وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر أغلقت السلطات الأمريكية مبنى كان يشغله معهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهو ملك للدولة، فوجد د. العيسى الفرصة لاستغلال هذا المبنى الذي هدم بالكامل وأنشئ مبنى حديثاً يعد من المعالم الهندسية والحضارية في مقاطعة (فيرفاكس) بولاية فرجينيا، وقد افتتح رسمياً في يونيو من العام الماضي وهو يتكون من 8 أدوار منها 5 أدوار فوق الأرض، على مساحة 7900 متر مربع، ويستوعب أكثر من 400 موظف، ولأول مرة تسمح وزارة الخارجية الأمريكية بوجود هيئة دبلوماسية أجنبية خارج العاصمة واشنطن.. مليونا دولار سنوياً لعلاج كل مبتعث!! كما استطاع د. محمد العيسى أن يحل معضلة عويصة كان يعاني منها المبتعثون قبل تعيينه في منتصف عام 2007م، وهي عدم وجود غطاء تأمين طبي لعلاجهم وأطفالهم، وكان النظام المعمول به إرسال فواتير العلاج إلى الملحقية من قبل الطلاب مما يؤخر التسديد ويعرّض المبتعثين لرفض وابتزاز بعض المستشفيات وضعاف النفوس من بعض الأطباء، وبجهود شخصية من د. العيسى أصبحت ملحقية واشنطن الملحقية الوحيدة بين دول الابتعاث حول العالم التي لديها تغطية تأمينية طبية شاملة لمبتعثيها ومرافقيهم من فئة خمس نجوم تصل إلى مبلغ مليوني دولار سنوياً قبل أن تعمم وزارة التعليم العالي فيما بعد هذه التغطية على جميع دول الابتعاث ، وبإمكان المبتعثين والمبتعثات ومرافقيهم العلاج في أكثر من 900 ألف مستشفى ومركز طبي في كل أنحاء أمريكا والعالم بما فيها السعودية، ويشمل هذا التأمين الطبي الأدوية والأسنان وحتى شراء النظارة الطبية. وقد أجريت لمرافقين عمليات زراعة كبد، تصل تكلفة العملية الواحدة إلى 500 ألف دولار. يستاهل الإنصاف والتقدير..!! ووفرت الملحقية منظومة التعامل عبر البوابة الإلكترونية، المرتبطة مباشرة إليكترونياً مع نظام وزارة التعليم العالي في الرياض لتوفير تواصل آني وآلي للمبتعثين للحصول على الخدمات الأكاديمية والمالية أو حتى الشخصية مع الملحقية، وإنجاز الطالب لمعاملته بنفسه ومتابعتها أولاً بأول دون أن يتكلف بالسفر للمراجعة.. وأنشأت الملحقية إدارة إليكترونية متخصصة تحت مسمى (إدارة الخدمات المساندة) مهمتها متابعة تأخر ما يرسله المبتعث إلى الملحقية إلا ما يرفض نظاماً، دون إلغاء دور البوابة الإلكترونية في التعامل المباشر مع الملحقية.. وبعد كل هذه الشواهد من الإنجازات الناصعة وقصص النجاح الباهرة لملحقية واشنطن، يجدر بنا أن نقول «للمحسن أحسنت» أياً كان هذا المحسن من أبناء الوطن في الداخل أو الخارج، لأن نجاح الرجال الأوفياء المخلصين يحسب لهم بالمصاعب التي يتغلبون عليها وبذلك يصنعون المنجزات، وبلادنا لا تخلو من الرجال المخلصين، فبمثل الدكتور محمد بن عبدالله العيسى، يرتقي وينهض ويفخر الوطن لأنه بحق نموذج مثالي للمسؤول السعودي الناجح عملياً وبامتياز خارج الحدود، ومن الواجب إنصافه وإعطاؤه التقدير الذي يستحقه على الأقل وهو أضعف الإيمان في مساواته بمديري الجامعات ومنحه (المرتبة الممتازة)، وهو الذي يدير أكبر وأقوى جامعة سعودية خارج الوطن وأكثرها تفوقاً وأقلها تسرباً من أي جامعة محلية، ولنا أسوة حسنة فيما تتخذه وزارة الخارجية (كمثال) مع بعض السفراء وكبار المسؤولين فيها بترقية مراتبهم ودرجاتهم الوظيفية تقديراً لجهودهم وعطاءاتهم، ولئلا نوزع الإحباط بسخاء على أمثاله من الرجال المخلصين، وإن كانوا سيبقون في ذاكرة الناس..!!