حقق موسم حجِّ هذا العام نجاحًا باهرًا تجاوز كل النجاحات السابقة للمواسم الماضية، وهذا ما كان مأمولاً نتيجة لتكامل المشروعات الضخمة التي أنجزتها الدَّوْلة في المشاعر المقدسة، والاستعدادات الكبيرة التي قامت بها الأجهزة المسؤولة والموكل لها تنفيذ خطة الحجِّ، إضافة إلى الخبرات المتراكمة لدى أبناء المملكة الذين يديرون أضخم وأهم تجمع بشري لا يضاهيه تجمع آخر، مما جعل لدى السعوديين خبرة عالية في إدارة الحشود التي يستقي منها الخبراء الكثير من العبر والدراسات للاستفادة منها في إدارة الحشود في المناسبات الأخرى. هذا النجاح الكبير الذي أسعد كل مسلم وقبل ذلك السعوديين الذين يعدّون هذا العمل تشريفًا لهم لا يدانيه أي تشريف، ولكن ومع هذا النجاح هناك بعض الندوب والأخطاء التي إن لم تعالج فسوف تتسبب في حدوث كوارث لا سمح الله ولذا لا يجب السكوت عنها، ومن أهمها تزايد أعداد المخالفين من غير النظاميين الذين أدوا فريضة الحجِّ مزاحمين ضيوف الرحمن الذين أعدوا لهذه المناسبة العدة طوال العام وحصلوا على التراخيص اللازمة وصرفوا المبالغ وانضموا إلى حملات الحجِّ النظاميَّة، ليواجه هؤلاء الحجاج النظاميون مزاحمة غير عادلة حرمت البعض منهم مما يجب أن يحصلوا عليه من خدمات. الحجاج غير النظاميين والذين تجاوز عددهم المليون وأربعمائة ألف حاج يرتكبون عملاً مخالفًا ليشكِّل إساءة لما تقدمه الدَّوْلة من خدمات ويفشل أي خطط وترتيبات مبنية على دراسات وتوقعات لأعداد يفاجأ بها معدو الدراسة والقائمون على تنفيذها بتجاوز الأعداد إلى أكثر من النصف، وهذا يضعف الخدمات ويشكِّل ضغطًا على العاملين وعلى الحجاج أنفسهم، كما يفاقم ظاهرة الافتراش التي تصبح أمرًا واقعًا لأن الحاج غير النظامي ليس مرتبطًا بحملة حجاج نظاميَّة، فلا يجد مكانًا ولا من يقدم له الخدمات، فيأخذ على عاتقه ترتيب مكانه والحصول على الخدمة، فينصب خيمة مؤقتة وسط ممرات المشاة ويفترش الطرق ويحاول الحصول على الخدمات بشتَّى الأساليب والطرق. والواقع أن تنامي هذه الظَّاهِرَة «ظاهرة المخالفين» سببه التَّساهل وعدم تطبيق العقوبات تجاه هؤلاء المخالفين الذين يتباهى البعض منهم بأنهم يؤدون فريضة الحجِّ كل عام. ثم إن المبالغة في أسعار حملات الحجِّ الداخليَّة جعلت الكثيرين وخصوصًا أصحاب العوائل الكبيرة يعجزون عن توفير الأموال الباهظة فيركبون المركب الصعب، وينضمون إلى قوافل المخالفين. ولمواجهة هذه المخالفة الشرعيَّة يجب التوسع في التوعية التي يجب أن تركز على الالتزام الديني، لأن الذين يخالفون الأنظمة ويضايقون ضيوف الرحمن والحجاج النظاميين يخالفون الخُلق الإسلامي، فالدين القويم يحث على وجوب إماطة الأذى عن الطريق، فما بالك بمن يصنع ويجلب الأذى في الطرقات والممرات التي يسلكها الحجاج النظاميون.. وبتكثيف التوعية الإعلاميَّة والالتزام بالخلق والتعاليم الإسلاميَّة إضافة إلى تشديد العقوبة على المخالفين ومن يساعدهم سيحدّ من هذه الظَّاهِرَة التي تشوّه النجاح الباهر لمواسم الحجِّ. [email protected]