اعتباراً من اليوم، وحتى الانتخابات الأمريكية بعد 17 يوماً، سأكتب سلسلة من المقالات عن التاريخ السياسي للولايات المتحدةالأمريكية، وسنبدأ هذه السلسة بالحديث عن الآباء المؤسسين، والذين كان لهم الفضل في تأسيس واحدة من أعظم وأقوى الإمبراطوريات في التاريخ البشري، إن لم تكن أعظمها على الإطلاق، وسنقلب في هذه المقالات كثيراً من الصفحات التي لا يود أن يتذكرها أحد عن هذه الديمقراطية العريقة، والتي أذهلت العالم عندما انتخبت رئيساً ينتمي إلى الأقلية السوداء، يسمى باراك حسين أوباما، تعود أصول والده إلى دولة إفريقية لا تزال تعيش على هامش العالم!، فكيف كانت بداية هذا الحراك الديمقراطي؟. عندما تم تأسيس هذه الدولة بعد تحريرها من الاستعمار الإنجليزي قبل أكثر من قرنين (1776)، كتب الآباء المؤسسون دستورها في صفحات معدودة، ولكنها ظلت في مجملها نبراساً لهذه الأمة حتى اليوم، تستلهم منها قيم العدالة والحرية، وهي القيم التي لا يمكن للمواطن الأمريكي أن يساوم عليها تحت أي ظرف من الظروف، وهؤلاء الآباء المؤسسون وهم جورج واشنطن، وجون آدمز، وبنيامين فرانكلين، وتوماس جيفرسون، و جون جاي، وجيمس ماديسون، و الكسندر هاملتون كانوا من الإقطاعيين، ولكنهم كانوا أيضاً مفكرين لا يشق لهم غبار.. ويعتبر الرئيس الثاني توماس جيفرسون أبرز هؤلاء، إذ لا زالت نظرياته وكتاباته في السياسة والاقتصاد والإدارة تدرس في أعرق الجامعات حتى اليوم، ومع ذلك فإن نظرتهم للجنس البشري كانت مستمدة من التقاليد العنصرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ولذا فإن الدستور كان في مجمله انعكاساً لتلك الثقافة.. فكيف ذلك؟. تحدث الدستور الأمريكي عن الحرية والعدالة وحق المواطن في الترشح والانتخاب، إذ يبدأ الدستور بكلمة «نحن الشعب»، وهي العبارة التي لها مفعول السحر لدى أفراد الشعب، إذ إنها تعني أن الناس هم الذين يقررون مصيرهم، وبذا يكون الرئيس وغيره من المسؤولين، كأعضاء الكونجرس الفيدرالي بشقيه (النواب والشيوخ)، وحكام الولايات، وعمداء المدن، وأعضاء المجالس التشريعية على مستوى الولايات والمدن، والقضاة على كافة اختصاصاتهم وتنوع مهامهم، وغيرهم من المسؤولين عبارة عن موظفين لخدمة هذا الشعب، ولكن من هو هذا المواطن الذي تحدث عنه الدستور؟. هذا المواطن هو الرجل الأبيض فقط، ولا يشمل أصحاب الأرض الأصليين من الهنود الحمر، والذين تم حصرهم في محميات خاصة لا يزال كثير منها قائم حتى اليوم!، كما لا يشمل المواطنين السود، والذين تم جلبهم بأقسى وأشرس الطرق من بلادهم الأصلية في إفريقيا ليكونوا أرقاء يباعون ويشترون في سوق النخاسة لخدمة الإقطاعيين البيض من أصحاب المزارع الشاسعة تحديداً، وأيضاً لا يشمل المرأة بوصفها كائنا مهمته خدمة الرجل، وعدا بعض النداءات المعارضة النادرة، والتي كان يطلقها بعض الناشطين البيض في بعض المناطق، لم يجد الناس غضاضة في ذلك، فقد كانت ديمقراطية انتقائية بيضاء بامتياز، وقد سار الوضع على هذه الحال لمدة طويلة تربو على القرن، فما الذي حصل بعد ذلك؟.. هذا ما سنتحدث عنه في المقال المقبل بإذن الله. o فاصلة: «لابد من الاعتناء بشجرة الحرية من وقت إلى آخر وإلا ستذبل».. توماس جيفرسون. [email protected] تويتر @alfarraj2