بهذه العبارة يبدأ الدستور الأمريكي الذي كتبه السيد قوفرنير مورس مع مجموعة من المناضلين الذين يسمون «الآباء المؤسسون» للولايات المتحدةالأمريكية، وذلك بعد أن أسسوا واحدة من أقوى وأعظم الإمبراطوريات على مر التاريخ، وكان الدستور الذي أعطى كل هذه الأهمية للشعب سبباً رئيسياً في ذلك. أحد هؤلاء هو الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون، الذي - حسب المفكر نعوم تشومسكي - يُعتبر مفكراً ليبرالياً حُرًّا أكثر من كونه سياسياً، وما زالت الأدبيات التي كتبها في شتى العلوم والمعارف تُدرس في أعرق الجامعات، ولا يضاهيه في عمق الثقافة والدهاء والشجاعة إلا بعض الرفاق كالرئيس الأول جورج واشنطن والرئيس الثاني جون آدمز والرئيس السادس عشر إبراهام لينكولن، الذي ارتبط اسمه بالحرب الأمريكية الأهلية وتحرير السود من العبودية، وهناك عبارة خالدة لهذا الرئيس تؤكد أن الديمقراطية هي: «حُكْم الشعب من قِبل الشعب لأجل الشعب»! نعم، إنه «الشعب» الذي حاكم الرئيس نيكسون وعزله، وحاكم كثيراً من الرؤساء على مر تاريخ الاتحاد الأمريكي، ولا تزال محاكمة الرئيس بيل كلينتون حاضرة في الذهن!.. وإذا كان «الشعب» هو الذي يحكم هناك فإنه لا يعدو أن يكون مجموعة من «الجرذان» في بلاد أخرى من هذا العالم الواسع، وهي البلاد التي يحكمها من كان مؤهلاً لأي شيء إلا حكم «الناس»؛ لذا تكون الفجوة هائلة بين الحاكم والمحكوم لدرجة يستحيل معها استمرار الأمن والاستقرار. هل رأيتم ذلك الحاكم بملابسه الغريبة وهو يلعب الشطرنج على أنغام دماء وأشلاء الكلاب والصراصير من أبناء شعبه، وبالتأكيد فإنه بعد أن ينتهي من لعب الشطرنج سيتلذذ بوجبته المفضلة من «الهامبرجر» الذي اخترعه أعداؤه الغربيون! إنه لم يكتفِ بهذا، بل قال على لسان أحد المقربين منه: «من لم يعجبه الأمر فعليه مغادرة البلاد»، فالبلاد مِلْك له وحده، ولا يهم أن يغادر الجميع أو يموت الجميع؛ فالمهم أن يبقى هو ليناضل ضد الأعداء! وإذا أردتم أن تعرفوا قيمة النفس البشرية عند هذا الزعيم فعليكم العودة إلى العام 1986 عندما سألته الإعلامية الأمريكية الشهيرة باربرا والترز عن مصير مجموعة من الناس سقطت بهم طائرتهم في البحر، فقال لها - بزهو - وهو يبتسم: «أكلتهم الأسماك»، ثم طلب منها مواصلة الحوار. الغريب أن هناك صوراً لهذا الزعيم يبدو فيها كالوحش المخيف؛ ما يجعلك تتساءل كيف حكم مثل هذا شعباً عظيماً لأكثر من أربعة عقود؟ ولكن أجمل ما في الثورة ضده هو أننا رأينا للمرة الأولى أبناء بلده المغيَّبين قسراً من علماء ومفكرين، وهؤلاء رسموا صورة مختلفة عما رسخ في الأذهان عن هذا البلد المنكوب. وفي بلد آخر رأينا ما لا يخطر على بال من امتهان لكرامة الإنسان واستهانة بحرمة دمه مما لم يجرؤ حتى ألد أعدائنا على القيام بمثله، وقد شمل ذلك ركل الوجوه بالأقدام، والرقص على الأجساد الجريحة، ولن تنسى الذاكرة تلك المناظر البشعة لأجساد ممزقة وأشلاء متناثرة ودماء سائلة؛ إذ يخيل للمشاهد أنه ينظر إلى بهائم في مسلخ، لا إلى بشر، ولا تملك وأنت تشاهد هذا الرعب إلا أن تتساءل عن مدى العذاب الصامت الذي عاناه هؤلاء الضحايا، وتتخيل العيون المرعوبة والصراخ الأجش لهم وهم بين أيدي جلاديهم. وختاماً، إنه «الشعب» الذي يحكم هناك ويُقتَل ظلماً هنا، وهذا هو الفَرْق بين الحضارة والتخلف. فاصلة: (عندما يخاف الناس من الحكومة فهذا «طغيان»، وعندما تخاف الحكومة من الناس فهذه «حرية»).. توماس جيفرسون.