لقد تألمنا كثيراً بعد سماع نبأ العمل الإرهابي الذي أودى بحياة السفير الأمريكي في ليبيا السيد كريستوفر ستيفنز، فهذا الرجل يرتبط بعلاقة روحية من نوع خاص مع العالم العربي والإسلامي منذ مدة طويلة، إضافة إلى أنه إنسان يفيض بالتفاؤل، آمن بقيم الحرية والعدالة الأمريكية، وقرر أن يُساهم بنشرها حول العالم ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ومرة أخرى تثبت تنظيمات العنف والإرهاب أنها لا يُمكن أن يهدأ لها بال ما لم تدمر مفهوم القيم الإنسانية، وتشوه سمعة ديننا، وأمتنا، وهو ما تجيده إلى حد كبير، إذ لو دفع أعداؤنا كل ما يملكون لما استطاعوا تشويه صورتنا بتلك الطريقة المميزة التي لا يتقنها إلا أعداء الحرية والحياة. تعرَّف السفير ستيفنز على العرب في مقتبل حياته، بعد أن سافر إلى شمال أفريقيا متطوعاً في فيلق السلام، وعمل معلماً للغة الإنجليزية في المغرب لمدة سنتين، وبلغ إعجابه بالثقافة العربية حد أنه قرر تعلُّم اللغة العربية، وأتقنها جيداً!، وبعد أن انضم إلى الخارجية الأمريكية عمل في بلدان عربية شملت سوريا ومصر والسعودية ولبنان، وأخيراً عمل ممثلاً لأمريكا لدى المجلس الانتقالي الليبي إبان الثورة الليبية، ثم سفيراً بعد نجاح الثورة، ومن يسمع كلمته المسجلة للشعب الليبي يدرك جيداً مدى الحماس الذي كان يملأ قلبه الكبير، فماذا تراه قال؟. كان يتحدث من واشنطن، ويقف بجوار تمثال الرئيس الأمريكي الخالد الذكر أبراهام لنكولن، وقد قال إنه يتمنى أن يأتي اليوم الذي تتمتع فيه ليبيا بالحرية، تماماً كما تتمتع بها أمريكا، ويذكر الذين عملوا معه في ليبيا أنه كان يعمل بلا كلل من أجل ترسيخ مفهوم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما يؤكدون أنه كان متواضعاً، ومحبا لعمله وللناس، إذ إنه كان يلتقي بالناس كثيراً، ويستجيب لدعواتهم. كما أنه كان يرغب في أن يرتبط اسمه بالتحول الديمقراطي في ليبيا، إذ إن هذه كانت قضيته التي آمن بها، وقرر أن يفني حياته من أجلها. وكان تصريح والدته مؤلماً جداً، عندما قالت: إن خبر مقتله كان طعنة في قلبها لن تبرأ للأبد، وعبَّرت عن ألمها من أن يموت ابنها على يد الناس الذين أحبهم!، ومع أن التصريحات حول هذا العمل الإرهابي الشنيع كثيرة إلا أن ما استوقفني هو تصريح السيناتور الجمهوري جون مكين، والذي قال: إن هذا العمل الإجرامي لن يثنينا عن التواصل مع العرب الذين يؤمنون بقيم الحرية التي نؤمن بها، وعليهم أن يتيقنوا أننا لن نتخلى عنهم، وفي الأخير، كان كريس ستيفنز يرغب في مساعدة الليبيين، ولكن أعداء الحرية، والحياة برمتها كان لهم رأي آخر!. فاصلة: «الإنسان الحقيقي هو الذي يضحي بنفسه من أجل الآخرين، بما في ذلك أعداؤه!»... المهاتما غاندي. [email protected] تويتر @alfarraj2