هذا المقال موجهٌ على وجه الخصوص لأولئك الذين لا يفرِّقون بين الحكومات الغربيَّة وسياساتها المجحفة بحق العالمين العربي والإسلامي، وبين الشعوب الغربيَّة، التي تكون هي ذاتها ضحية لساستها في كثير من الأحيان، فالشعوب الغربيَّة تظل جزءًا من المجتمع الإِنساني، وتحكم على الأمور من خلال هذا الإطار، ولكل من عاش في العالم الغربي تجارب لا تنسى، إذ رأينا كيف تتعاطف مؤسسات المجتمع المدني والأفراد مع المظلومين والمحتاجين على هذه الكرة الأرضيَّة دون التمييز بين لون أو جنس أو عرق، ولعلي أذكر بمواقف رجلي الأعمال الكبيرين بيل قيتس ووارين بافيت، والذين أوقفا معظم ثرواتهما لخدمة العمل الإنساني في البلاد الأكثر فقرًا وجهلاً حول العالم. راشيل كوري شابة أمريكيَّة بيضاء، ويهودية أيضًا!، تعاطفت مع قضايا المظلومين منذ نعومة أظفارها، وبلغ حماسها للدفاع عن الفلسطينيين درجة أنها سافرت إلى الأراضي الفلسطينيَّة كناشطة أجنبية ضمن «حركة التضامن العالميَّة»، واتخذت موقفًا من الاحتلال لم يتخذه إلا قلَّة من أهل الأرض أنفسهم، إذ وقفت بِكلِّ شجاعة أمام جرافة إسرائيليَّة كانت تهدم المباني في مدينة رفح في غزة، فما كان من سائق الجرافة إلا أن دهسها بدم بارد، وكان ذلك في عام 2003، وبالرغم من أن القضية كانت ولا تزال محل جدل كبير، إلا أن المؤكد أن هناك تواطئًا من قبل السلطات الإسرائيليَّة، حَيْثُ أنهم كانوا - ولا يزالون- منزعجين من النشطاء الأجانب، والذين تؤدي تغطية ما يقومون به إعلاميًّا إلى فضح بعض السياسات الإسرائيليَّة، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالاستيطان. حسنًا، ماذا فعلت أمريكا - أعتى قوة عالميَّة - لحمايّة أحد مواطنيها، والذين يكتب في جوازات سفرهم «تتعهد الولاياتالمتحدة بحماية حامل هذه الوثيقة فوق أي أرض وتحت أي سماء»؟!. لا شيء حقًا، فقد ماطلت إسرائيل وراوغت على مدى عشر سنوات، ثمَّ في النهاية تمَّت تبرئة قتلة راشيل كوري قبل أيام، وعدا تغطيات خجولة لا تكاد تذكر هنا وهناك، فإن وسائل الإعلام الأمريكيَّة صمت آذانها عن هذا الحكم المجحف، بالرغم من أن الحكومة الأمريكيَّة ذاتها لم تكن مقتنعة بالتحقيقات التي أجراها الحليف الإسرائيلي، حسب حديث والد راشيل لوسائل الإعلام!، وهكذا غابت القُوَّة الأمريكيَّة، وتَمَّ نحر «العدل» -الذي تنشد أمريكا نشره حول العالم-، عندما تعلّق الأمر بإسرائيل، حتى وهي تقتل مواطنًا أمريكيًا!، ونختم بالتبرير الذي صرح به مارك ريجيف، المتحدث باسم بنيامين نتنياهو، فقد كان متوترًا، وفشل في تبرير حكم المحكمة المجحف، ومع ذلك فقد كانت وسائل الإعلام الأمريكيَّة في منتهى الحنان معه!. فاصلة: «أعتقد أن أي عمل أكاديمي، أو قراءة، أو مشاركة بمؤتمرات، أو مشاهدة أفلام وثائقية، أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل الوضع إذا لم تشاهده بنفسك».. راشيل كوري عن وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال. [email protected] تويتر @alfarraj2