في الندوة التي أقامها نادي جدة الأدبي الثقافي مؤخراً لتكريم الكاتب الراحل الأستاذ محمد صلاح الدين رحمه الله، طالب الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير جريدة عكاظ بإعادة كتابة تاريخ الصحافة السعودية وذلك في سياق حديثه عن التجربة الصحفية الثرية للأستاذ صلاح الدين، وهي التجربة التي كان الدكتور هاشم قريباً منها. هذه المطالبة التي رفعها الدكتور هاشم هي فرصة ذهبية لكي نوجه له ولجيل كامل من زملائه الذين مارسوا العمل الصحفي على مدى عقود طويلة سؤالاً عن دورهم في القيام بمهمة إعادة كتابة تاريخ الصحافة السعودية: من هم الأقدر على كتابة هذا التاريخ إن لم يكن هاشم عبده هاشم نفسه وزملاؤه أمثال الدكتور عبدالله مناع والأساتذة خالد المالك وعبدالله عمر خياط وعبدالفتاح أبو مدين وتركي السديري وعبدالله الشباط وأحمد محمد محمود وسعد البواردي وخليل الفزيع وغيرهم ممن عايشوا هذه التجربة ولازالوا وسط الساحة الصحفية أو قريبين منها. لقد تناول العديد من الأكاديميين والمؤرخين تاريخ الصحافة السعودية وقدموا رصداً هاماً لمسيرة هذه الصحافة مثل الدكتور محمد الشامخ في كتابه المهم «نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية» وكتابات الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ومحمد عبدالرزاق القشعمي والدكتور أمين ساعاتي وغيرهم. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذه الدراسات إلا أنها تَنْصَب على الجانب البحثي التوثيقي، ويبقى الجانب المتعلق بالممارسة الصحفية وما يكتنفها من ظروف اجتماعية وتِقَنيَّة ورقابة رسمية متغيرة باختلاف الحقب الزمنية واختلاف رؤساء التحرير والقائمين على أجهزة الرقابة الرسمية. هذه الممارسة بكل ما فيها من تشويق للقارئ ومعلومات شخصية وجوانب إنسانية وتفاعل مع بيئة العمل الصحفي لا يجيد رصدها وتقديمها للقارئ، بالطبع، إلا الأشخاص الذين عبروا هذه التجربة وعاشوها يوماً بيوم. هناك تجارب تم رصدها في كتبٍ أثْرَتْ المكتبة المحلية، مثل تجربة الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين في «حكاية الفتى مفتاح»، وتجربة الدكتور عبدالله مناع في «بعض الأيام بعض الليالي»، وتجربة الأستاذ عبدالله الجفري في «مشواري على البلاط» وغيرها من تجارب الصحفيين الذين مارسوا العمل الصحفي الميداني. وقد يرى البعض أن رصد هذه التجارب بأقلام أصحابها لابد أن يأتي منحازاً ولا يخلو من الأهواء أو تصفية الحسابات أو تضخيم بعض الأدوار والتقليل من البعض الآخر. ولكن هذا طبيعي وإنساني، وقد يحدث ذلك حتى بدون قصد من الكاتب لأنه في النهاية يرى من زاويته التي يقف عليها ولابد أن تختلف الرؤى وتتعدد. أما القارئ فهو يشارك الكاتب تجربته وهو مدرك أن المادة التي يقرؤها لا تختلف عن المادة التي يحتوي عليها أي كتاب من كتب «السيرة الذاتية» التي يعرف الجميع أنها بطبعتها ذات صبغة شخصية. لهذا أقول للدكتور هاشم ولكل الممارسين للعمل الصحفي، وخصوصاً أولئك الذين كانت لهم بصمات واضحة على مسيرة الصحافة السعودية، أنتم الذين يجب أن تكتبوا تاريخ الصحافة السعودية من خلال تجاربكم وشهاداتكم، وسيأتي الأكاديميون الإعلاميون والمؤرخون ويدرسون هذه التجارب والشهادات ويصنعون منها سجلاً متكاملاً لتاريخ الصحافة في بلادنا. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض