فريضة الحج، آخر فروض الإسلام، وزينة أهل الإيمان، لأنه يجمع عملاً على بدن وحقاً في مال، فجُعل فرضه بعد استقرار فروض الأموال، ليكون استئناسهم بكل واحد من النوعين، ذريعة إلى تسهيل ما جمع بين النوعين، فكان في إيجابه تذكير ليوم الحشر بمفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والذليل في الوقوف بين يديه جل وعلا، واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه. والحج نموذج مصغر للإسلام بل أعمال الدين والدنيا ماثلة في الحج؛ من حل وارتحال، وأعمال مالية وبدنية وتعاون الجميع؛ كل ذلك ماثل في الحج تلك الشعيرة العظيمة التي ختم بها أركان الإسلام والتي تنقي الإنسان من الذنوب فيعود إن لم يرفث ولم يفسق كيوم ولدته أمه. مشاهد القلوب المؤمنة، والأبدان المجتمعة، تبين الحكمة الربانية في أن الحج لا يكون طيلة العام ففي هذا التجمع السنوي الكبير بلباس واحد، وأعمال واحدة، تتجلى الدروس والعبر، فتستشعر القلوب يوم لقاء الديان في يوم الحشر العظيم، الذي يحاسب فيه العباد على القليل والكثير، والعظيم والحقير، والجليل والقطمير. وهذا مقصد صلاح القلوب، وتهذيب السلوك، وإليه أشار الله تعالى في مطلع سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2] وفي الحج المساواة بيَّن تتجسد فيه هوية الأمة الإسلامية وتذوب كل الهويات الأخرى.. فيتساوى الغني والفقير كلهم يؤدون نفس الشعائر ويلبسون نفس الثياب ويخطون الخطوات جنباً إلى جنب متوجهين إلى الله بقلوب صافية نقية أذلاء للواحد الديان يعاون بعضهم بعضا ويحنُّ كلُ منهم على الآخر يتراحمون ويذكرون الله كثيراً قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (سورة الحج 27-28). قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } (197) سورة البقرة. يَفِدُ كل عام للمملكة ملايين الحجاج والمعتمرين القاصدين لبيت الله الحرام والزائرين للمسجد النبوي الشريف من مختلف أنحاء المعمورة، من ثقافات وتقاليد وأصول مختلفة، وأبرز المشكلات التي تواجه المسؤولين والعاملين في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، جهل بعض الحجيج سواء بتعاليم الدين الحنيف وأصول العبادة ، وكيفية أداء المناسك، أو الجهل بالقوانين السعودية المطبقة داخل المسجد الحرام والمسجد النبوي أو في المشاعر المقدسة ، ومن الأمثلة على بعض حالات الجهل: اعتقاد كثير من الحجاج أن وفاته أثناء أداء المناسك ستجعله شهيداً فيدفع بنفسه وسط الزحام والقيام بالصلاة في صحن الكعبة الشريفة ويعرض نفسه أو الآخرين للتهلكة. لذلك توعية الحجاج بمناسك الحج وشعائر العمرة مطلب شرعي ليكون أداؤهم للعبادة وفق هدي المصطفى القائل «خذوا عني مناسككم» بعيدة كل البعد عن البدع خالية من النواقص وتقع هذه المسؤولية على قادة الدول الإسلامية والدعاة وقيادات العمل الإسلامي في المراكز والمؤسسات الإسلامية في الخارج ووسائل الإعلام المختلفة لتوعية الحجاج والمعتمرين بالمناسك وأداء الشعائر قبل سفرهم من بلدانهم إلى الأراضي المقدسة بحيث يصبحوا أكثر فهماً وإلماماً بالواجبات والسنن المتعلقة بالحج والعمرة واتباعهم للإرشادات والتعليمات لتذليل الصعاب وتخفيف الزحام ليتفرغ الحجاج والمعتمرين للهدف الأسمى وهو عبادة الله في خشوع وسكينة وفي الحديث الشريف (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). وفي دراسة لدارة الملك عبدالعزيز بأن 70% من الحجاج الذين أجري عليهم الاستطلاع ذكروا أنهم أتوا للحج وليست لديهم معلومات كافية عن نسك الحج وشروطه وأركانه كما عبر 10% بأنهم طلبوا كتب ومطويات متعلقة بالحج والحرمين الشريفين ولم يستطيعوا الحصول عليها لعدم توفرها في بلدانهم بلغاتهم المحلية كما عبر البعض الآخر أنهم لم يطلبوا كتباً أو مطويات عن الحج اعتقاداً منهم عدم حاجتهم إليها. والواجب سد هذه الفجوة بتوفير المطويات والكتب عن الحج والحرمين الشريفين واستخدام لغة العصر التقنية الإلكترونية في مجال التوعية وباللغات المختلفة. وللمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا الدور الأكبر في توعية الحجيج حيث تعقد سنويا مؤتمرات وندوات لتوعية الحجاج والمعتمرين أبرزها المؤتمر الأول لتوعية الحجاج الذي نظمته وزارة الحج بالمملكة في العام 1421ه في العاصمة الماليزية كوالالمبور والذي كان هدفه الرئيسي توعية الحجاج بالأمور التنظيمية الخاصة بمناسك الحج وظروف الإقامة وشروطها وتنسيق وتنمية الوعي لدى الدول الاسلامية بأهمية توعية الحجاج قبل مغادرتهم بلدانهم وكان ذلك بحضور 52 دولة اسلامية. والمملكة حماها الله بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -أنفقت عشرات المليارات لتطوير المسجد الحرام والمسجد النبوي والمنطقة المحيطة بهما ومواقع المشاعر في منى وعرفات ومزدلفة، وتنفق سنوياً مئات الملايين لكي تذلل الصعوبات التي تواجه حجاج ومعتمري بيت الله الحرام مما يجدر بمؤسسات المجتمع المدني والإعلام ان تقف أيضاً يداً بيد الى جانب الحكومة وتقوم بدورها الوطني في توعية ضيوف الرحمن وخدمتهم وتذليل العقبات لهم وعمل برامج تعريفية وتوعوية كل في مجاله الثقافي والتربوي والصحي والشرعي وإن لم يتكاتف الجميع فلن نصل إلى النجاح الذي تعود فائدته للجميع. كذلك المطلوب من سفارات وقنصليات المملكة في الخارج والتي يجب أن يكون لها دور في توعية الحجاج والمعتمرين وتزويدهم بالكتيبات المفيدة عن الحج وخصوصاً الدول التي لديها أقليات إسلامية فهؤلاء تكون توعيتهم همّ مشترك بيننا وبين سفارات دولهم فهم في الغالب قد لا يعلمون عن الحج سوى أنه ركن من أركان الإسلام وقد يجهلون حتى مناسكه والهدف منه وبذلك نحن مسؤولون عن هؤلاء بشكل كبير للقضاء على الظواهر العقدية والسلوكية السلبية التي تحتاج إلى مضاعفة التوعية والجهود الإعلامية. وختاما نسأل المولى جل وعلا أن يجعل حج هذا العام ميسراً وناجحا كسابقاته وأن يتقبل الله من الحجيج والمعتمرين وأن يعودوا إلى أوطانهم سالمين معافين مقبولين. *رئيس جمعية خيركم بمحافظة جدة