الانتماء للوطن والولاء له صفة تجمع كل المخلوقات تقريبًا ويزداد ذلك ظهورًا في الإنسان الذي يجمع بين العاطفة والعقل، وقلَّ أن تجد إنسانًا انسلخ ولاؤه لوطنه عن جسده ووجدانه وتحوَّل عنه إلى موطن أو بلد آخر حتَّى لو طاله ظلم وناله أذى في وطنه، وهنا نجد نحن السعوديين أبناء هذه الأرض الطاهرة يومنا الوطني غير أيام الدول وسعادتنا به تختلف عن سعادة الآخرين فقد ارتبطنا به قلبًا وروحًا لما يحمَّله وطننا في وجداننا من معانٍ وما يمثله لنا من قيمة، فقد غرس فينا العقيدة الصافيَّة وأسس في جوارحنا السمو والكبرياء، وزرع في مشاعرنا العاطفة الحقة والصدق، رعانا بين أركانه وهيأ لنا العيش الكريم، ويسر لنا دروب السعادة، ورفع رؤوسنا بين الأمم، وجعلنا محط أنظار دول العالم، ولم يكن هذا ليتأتى لولا توفيق منَّ الله العزيز الكريم، الذي سخَّر لهذه الأرض رجلاً جعل رضا الله نصب عينيه وإقامة دينه في أرضه هدفًا له، وبناء وطن ووحدة أمه مقصدًا ساميًا ضحى من أجله بروحه وبماله وولده، وخيرة أبناء أرضه، إلا وهو الملك عبد العزيز -رحمه الله- الذي لَمّ شَتَاته ووحد أركانه وشيد بنيانه، وأقام نظامه، فأمده الله بعونه وسدده بتوفيقه فقامت على يده بلاد من شتات وفرقة ودولة من فراغ، ولأنَّه كان يعرف حق المعرفة قيمة هذه الأرض، وسمو الهدف نمّى في أبنائه خصاله وعزز فيهم أساليب القيادة والإدارة حتَّى جاءوا من بعده رجالاً عظامًا أكملوا المسيرة، ورفعوا شأن الوطن وحفظوا حق الله وحق العباد، فجاء من بعده الملك سعود، ثمَّ الملك فيصل، ثمَّ الملك خالد، ثمَّ الملك فهد ورحلوا جميعًا (غفر الله لهم) وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه وعملوا بمنهج والدهم وساروا على خطاه وقادوا بلدهم إلى مصاف الدول المتقدِّمة وتتبعوا النقص فأكملوه، والجديد فأتبعوه مع التمسُّك بالثوابت والحفاظ على الهويَّة، وما أن آلت الأمور إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حتَّى انطلقت قافلة التنميَّة وسارت سيرًا حثيثًا مكملاً ما بدأه اخوانه، عاملاً بما أملاه عليه وجدانه وحسه القيادي وموهبته الإداريَّة الفذة فاستفاد من كل ما وجده بين يديه من مال وخبرات، واستغل ما أنعم الله به عليه من ثروات حتَّى أصبح وطننا بفضل الله، ثمَّ بفضل قراراته الصائبة وتوجيهاته الحكيمة، وأوامره الموفقة رمزًا للنماء والتطوير ومهوى أفئدة النَّاس في مختلف أنحاء المعمورة لكسب العيشوالبحث عن الأمن بل نظر -حفظه الله- نظرة الفاحص المدرك لِكُلِّ ما يحتاجه وطنه وأبناءه من عوامل الرقي وأهداف التنميَّة فعمل موفقًا من الله على تحقيقها بِكلِّ شجاعة وقوة إرادة حتَّى أصبحنا نلاحظ التطوّر الذي تحتاج الدول أن تصل إليه في عشرات السنين يتحقق في سنوات قصيرة، فما يمرّ يوم إلا ويجدّ جديد ولا تشرق شمس إلا ويفتح مشروع أو يسلم آخر، حتَّى أصبح هذا أمرًا عاديًا عند المُتلقِّي وأمام المواطن، فقد أنشئت في عهده الطرق التي قدرت تكاليفها بما يتجاوز ثمانيَّة وأربعين مليار دولار في هذا العام فقط، وأنشئت المستشفيات حتَّى بلغ عددها أكثر من (251) مستشفى وحوالي (2100) مركز رعايَّة صحيَّة، ووصلت عدد الأسرة إلى حوالي ستة وستين ألف سرير، وانطلقت مشروعات سكك الحديد التي تربط البلاد بأطرافها وتخدم المشاعر المقدسة، وانطلقت مشروعات خدمة الحرمين الشريفين وتوسعتها وغير ذلك من المشروعات التنمويَّة التي يطول المجال بذكرها، وإذا كان الإنسان هو عصب الحياة فقد حرص -حفظه الله- على تأهيل أبناء الوطن بل وضمن لهم العيش الكريم إذ استمر برنامج الابتعاث للاستفادة من خبرة الدول، وفتحت أبواب الجامعات السعوديَّة لتستقبل كل من تقدم لها، وتَمَّ توظيف أكثر من مائتين وخمسين ألف رجل وامرأة خلال هذه السنة وهو ما يعادل ما تستوعبه الدوائر الحكوميَّة في دول أخرى لعشرات السنين، وأحدثت الوظائف للقطاعات العسكريَّة لحفظ الأمن الداخلي والخارجي لهذه البلاد الطاهرة، وأصدرت الأنظمة والتشريعات التي تواكب مرحلة التنميَّة. ما ذكرته إنما فيض من غيض والواقع يعكس الحقيقة ومن عاش على أرض هذه البلاد أو مر بها يَرَى بأم عينه ويعيش بإدراكه وأحاسيسه ما ذكر. ولهذا فإنَّ يومنا الوطني ليس كأيام الدول الأخرى فكل عام يمرّ يحفل بما هو جديد ويحدث ما هو متميِّز وينتج كل نادر ويسمو فيه وطننا إلى مرحلة أخرى ليصبح نجمًا من نجوم القمة وواحدًا من مصاف الدول المتقدمة. وإذا كانت اللحظات المؤلمة تظهر معدن الرِّجال فإنَّ بلادنا اعترضها ظرفان عصيبان خلال عامنا آلمت الجميع وأربكت المحللين فكان خادم الحرمين الشريفين مثالاً لصانع القرار الصائب والقائد المحنك الذي يدرك مصلحة وطنه ويحس بألم أبنائه حيث أصيب الوطن مصيبتان أولاهما وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ومن بعهده خلفه صاحب السمو الملكي الأمير نايف وقد واجه خادم الحرمين المصابين بقلب المؤمن الصابر المحتسب وأتخذ قراراته الصائبة عندما اختار نايف خلفًا لسلطان، ثمَّ اختار سلمان (أمد الله في عمره) خلفًا لنايف ليشاركه في قيادة الدفة ورعايَّة الأمة ومن ثمَّ توليته صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرًا للداخليَّة مما أشعر النَّاس جميعًا بأن بلادهم في يد أمينة تدرك قيمة الرِّجال وتحسن اختيارهم وتضع الرَّجل المناسب في المكان المناسب. وفي الختام هنيئًا لبلدنا قياداتها ولتسعد بيومها الوطني الذي لم يمر عام إلا وقد خطا فيه وطننا أعلى الدرجات وتجاوز نظراءه من الأوطان بمراحل عدَّة ولا يتكرر مثله على بلدنا إلا وهي ترفل بثياب العزة والكرامة محفوظة من الله سبحانه وتعالى وتحت رعايَّة قيادة رجال عظام جعلوا خدمة أبناء وطنهم هدفهم السامي وبناء أرضهم ووطنهم مقصدهم الأول، فالراعي والرعيَّة كيان واحد وكل منهما يكمل الآخر، يعيشون أفراحهم وأتراحهم معًا، وتراحم وتلاحم وتآلف تحت مظلة «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وصدق القائل في محكم كتابه {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. - وكيل وزارة الداخلية