شدد اقتصاديون على ضرورة تخطيط اقتصادي إستراتيجي أكثر شمولية في التعامل مع ملف البطالة في المملكة وأكدوا أن هذه المشكلة أعمق وأوسع من مجرد ارتفاع متواصل في معدلات البطالة أو قصور في برامج السعودة مطالبين في نفس الوقت بأن يكون لوزارة التخطيط والاقتصاد دور أكثر ايجابية في قضية البطالة وقال الاقتصادي الدكتور عبدالوهاب أبوداهش: إن سوق العمل السعودية معقدة وتحتاج إلى تضافر وزارة العمل في بناء قاعدة بيانات بالسوق وإلى تحليلها وغربتلها من قبل وزارة التخطيط والاقتصاد لتتواءم مع إحصاءات التعداد السكاني للحصول على نسبة رسمية وموثقة لمعدلات البطالة. مضيفا بأن معدلها عند 8% يعد مرتفعا حتى بالمقاييس الغربية. ومنذ بدء نظام ‹›حافز›› بدأنا نحصل على أرقام جيدة عن الباحثين عن العمل ونتطلع إلى مزيد من الدراسات لبناء قاعدة معلومات عن سوق العمل حتى نخرج بتصور واضح عن نسبة البطالة في المملكة لتصبح مرجعا غير قابل للتأويل. وذكر أبو داهش أن حل مشكلة البطالة يبدأ بتحديد تعريف واضح لها تقره الجهات الرسمية ويتناسب مع ما هو متعارف عليه عالميا . وتعريف الشخص العاطل عن العمل هو ‹›كل من هو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد لكن دون جدوى››. وفي المملكة يجب أن يبنى تعريف البطالة من المفهوم الهيكلي لسوق العمل وطبيعة الباحثين المواطنين عن العمل. فهيكلية سوق العمل في السعودية تشير إلى سوقين مهمين للعمالة الوافدة بنحو ثمانية ملايين شخص، وسوق للسعوديين بنحو 1.6 مليون شخص موظف. وحسب أرقام حافز الأخيرة فإن عدد المنضمين للبرنامج نحو 1.3 مليون، نسبة الإناث 85% وذكر أبو داهش أن رقم البطالة يعد صحيحا بقسمته على سوق عمل السعوديين والوافدين مجتمعة. وبالتركيز على الخلل الهيكلي الواضح في وجود نحو 85% من مستفيدي حافز من النساء معظمهن قد لا يقبلن الحد الأدنى للأجور، كما أنهن لن يعملن إلا حسب ظروفهن وليس ظروف سوق العمل، فإن نسبة البطالة قد تنخفض عن 8% بشكل كبير. من جهته قال الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن السلطان أن من يتوقف عن البحث عن عمل، أو لم يقبل بالأجر السائد مهما كان متدنيا فلا يعتبر عاطلا، ولا يدخل ضمن تقديرات البطالة. ويرى السلطان أن المشكلة أكبر بكثير من مجرد ارتفاع معدلات البطالة، فنحن نعاني من مشكلة أخطر وأشد، تتمثل في التدني الشديد في نسبة مشاركة العمالة المواطنة في سوق العملتتجلى بكون نسبة كبيرة ممن هم في سن العمل خارج قوة العمل. فبحسب تقديرات مصلحة الإحصاءات العامة «2009» فإن هذه المشاركة لا تتعدى 36% فقط والذين هم في سن العمل ويعملون فعلاً، وتنخفض النسبة بين الإناث بشكل خاص ولا تتعدى 12%. ووفقاً لهذه التقديرات فإن قوة العمل من السعوديين لا تتعدى 4.3 مليون فرد، فيما يبلغ تعداد من هم خارج قوة العمل ممن هم في سن العمل 7.5 مليون فرد، وهذا وضع خطير جداً له انعكاسات سلبية حادة ويتطلب التصحيح ووضع إستراتيجيات أكثر شمولاً وتتعامل مع مشكلة التعطل والبطالة في المملكة على أنها مشكلة أعمق وأوسع من مجرد ارتفاع متواصل في معدلات البطالة وقصور في برامج السعودة. وذكر السلطان أن ضعف التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي ترك للأجهزة التنفيذية المثقلة بمتطلبات العمل اليومي مسئولية التخطيط ووضع البرامج وهي لا تملك الوقت ولا القدرة على ذلك فأصبحت تضع برامج أضعف من أن تتعامل مع مشكلات أكثر تعقيدا، وعندما يعجز برنامج نطاقات، على سبيل المثال، عن تحقيق المرجو منه، لا نفكر خارج الصندوق، وإنما نكتفي بترقيعه بنطاقات 2 وربما لاحقا بنطاقات 3 و4، إلى أن يحصل تغيير إداري فيَنسِف الجديد كل ما بُني من قبل ونعود إلى نقطة الصفر من جديد، وهكذا دواليك. وهذه الجهود تكون في أحيان كثيرة متضاربة مع جهود جهات تنفيذية أخرى فنظل في حلقة مفرغة دون أن نصل إلى حلول عملية تستقري المستقبل، بحيث نبدو متفاجئين بمشكلات كانت كل المؤشرات تؤكد أنها قادمة لا محالة، وأضاف السلطان:غياب التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي أبقانا مشلولين عن التعامل مع مسبباتها إلى أن وصلت إلى نقطة اللا عودة واستعصى الحل. وعن دور وزارة الاقتصاد والتخطيط ذكر السلطان أن كل ما تقوم به هو تلقي مقترحات الأجهزة التنفيذية حول ما تود تنفيذه من مشاريع خلال الخطة الخمسية، ودورها يكاد يقتصر على دمج هذه المقترحات في قالب واحد يتمثل في مشروع الخطة الخمسية للدولة، ولا تشمل مسؤولياتها صياغة إستراتيجية التنمية الاقتصادية وما يترتب على ذلك من تحديد للمشاريع اللازم تنفيذها من قبل كل جهاز تنفيذي خلال خطة خمسية معينة، بما يحقق التكامل الضروري بين نشاطات مختلف الأجهزة التنفيذية في الدولة. وهذا الغياب لأي عملية تخطيط اقتصادي حقيقي هو ما يفسر العجز الواضح في سياساتنا الاقتصادية عن حل مشكلات البطالة والفقر والتضخم والإسكان وسوء توزيع الدخل، رغم كلا نتمتع به من فوائض مالية.