يُعرَّف العاطل عن العمل بأنه الشخص الذي يبحث عن عمل ويقبل بالأجر السائد ولا يجد عملا، أما إذا توقف عن البحث، أو لم يقبل العمل بالأجر السائد مهما كان هذا الأجر متدنيا، فلا يعتبر عاطلا، ولا يدخل ضمن تقديرات البطالة. المنافسة غير العادلة التي تلقاها العملة المواطنة من العمالة الأجنبية يضطرها إلى رفض الأجر السائد.. .. بل حتى إلى التوقف كلياً عن البحث عن عمل، وفي الحالتين تصبح خارج تقديرات البطالة، بالتالي مهما ارتفعت هذه التقديرات فإنها لا تعكس حقيقة وحجم التعطل الذي تعاني منه العمالة المواطنة في سوق العمل في المملكة. ما يعني أن المشكلة التي تواجهنا أكبر بكثير من مجرد ارتفاع معدلات البطالة، فنحن نعاني من مشكلة أخطر وأشد، تتمثل في التدني الشديد في نسبة مشاركة العمالة المواطنة في سوق العمل، تتجلى بكون نسبة كبيرة ممن هم في سن العمل خارج قوة العمل. فبحسب تقديرات مصلحة الإحصاءات العامة لعام 2009 فإن هذه المشاركة لا تتعدى 36%، أي أن 36% فقط ممن هم في سن العمل يعملوا فعلاً، وتنخفض هذه النسبة بين الإناث بشكل خاص بحيث لا تتعدى 12%، رغم أن الإناث يشكلن ما يزيد على 60% من خريجي الجامعات في المملكة. ووفقاً لهذه التقديرات فإن قوة العمل من السعوديين لا تتعدى 4.3 مليون فرد، فيما يبلغ تعداد منهم خارج قوة العمل ممن هم في سن العمل 7.5 مليون فرد، وهذا وضع خطير جداً له انعكاسات سلبية حادة ليس فقط على كفاءة توظيف مواردنا البشرية، وإنما أيضا على مستويات المعيشة والأمن الاجتماعي، ويتطلب تصحيحه إستراتيجيات أكثر شمولاً وتتعامل مع مشكلة التعطل والبطالة في المملكة على أنها مشكلة أعمق وأوسع من مجرد ارتفاع متواصل في معدلات البطالة وقصور في برامج السعودة. فوجود 7.5 مليون مواطن خارج سوق العمل ترتب عليه ارتفاع كبير غير مبرر ولا مقبول في معدل الإعالة في المملكة، والذي يقيس متوسط عدد الأفراد في المجتمع الذين يعتمدون على غيرهم في تأمين احتياجاتهم المعيشية، والذي نحصل عليه من خلال قسمة عدد السكان غير المشتغلين على عدد المشتغلين. وفي عام 2009 بلغ معدل الإعالة في المملكة إلى 3.8، أي أن كل مشتغل يعيل في المتوسط حوالي 4 أفراد، وهو معدل مرتفع جدا يحمل انعكاسات خطيرة على مستويات الدخل الأسري وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم المعيشية. كما أن هذا العدد الكبير لمنهم خارج سوق العمل من السعوديين يعني أننا لسنا بحاجة إلى وجود ما يزيد على 12 مليون عامل أجنبي، ويمكن من خلال إستراتيجية أشمل لا تستهدف فقط توظيف العاطلين عن العمل وإنما تستهدف أيضا توسيع مشاركة المواطن في سوق العمل أن نحقق ليس فقط تخفيض اعتمادنا على العمالة الأجنبية، وإنما أيضا تحسين مستويات المعيشة للمواطن مع كل ما يرتبط بذلك من مكاسب اقتصادية واجتماعية لا حدود لها. إن ضعف التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي في المملكة ترك للأجهزة التنفيذية المثقلة بمتطلبات العمل اليومي والمفتقرة إلى نظرة شمولية أوسع للمعضلات التي تواجهنا مسئولية التخطيط ووضع البرامج وهي لا تملك الوقت ولا القدرة على ذلك فأصبحت تضع برامج أضعف من أن تتعامل مع مشكلات أكثر تعقيدا، وعندما يعجز برنامج نطاقات، على سبيل المثال، عن تحقيق المرجو منه، لا نفكر خارج الصندوق، وإنما نكتفي بترقيعه بنطاقات 2 وربما لاحقا بنطاقات 3 و4، إلى أن يحصل تغيير إداري فيَنسِف الجديد كل ما بُني من قبل ونعود إلى نقطة الصفر من جديد، وهكذا دواليك. وهذه الجهود تكون في أحيان كثيرة متضاربة مع جهود جهات تنفيذية أخرى فنظل في حلقة مفرغة دون أن نصل إلى حلول عملية تستقري المستقبل، بحيث نبدو متفاجئين بمشكلات كانت كل المؤشرات تؤكد أنها قادمة لا محالة، إلا أن غياب التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي أبقانا مشلولين عن التعامل مع مسبباتها إلى أن وصلت إلى نقطة اللاعودة واستعصى الحل. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam