إنْ كان المُنتِج الإسرائيلي والمروّج القبطي للفيلم المسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم هدَفَ لتشويه الإسلام؛ فقد أخطأ هدفه. الحقيقة أنه استهدف الأديان كلها بإرهابه. والسبب على ذلك واضح، فالمسيحية التي ظهرت بطابع التسامح مستمِدةً من تعاليم المسيح كما هو منسوب إليه في إنجيل متّى: (سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا)، ظهرت بطابع انتقامي يفوح بالكراهية. كما أن أي مُشاهد للفيلم سيلمس كمية التحامل التي يكنّها متطرِّفو اليهود للآخرين. أما القطب الإسلامي الثالث فحكاية أخرى. فمن جهة كان الفيلم بحدِّ ذاته إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، وردّة فعل بعض المتطرِّفين من استهداف للسفارة الأمريكية في ليبيا وقتل السفير وثلاثة من معاونيه. ومهاجمة السفارة الأمريكية في القاهرة وصنعاء من جهة أخرى. أساءت لصورة الإسلام بقصد أو دون قصد!. وفضحت وجود متطرِّفين إسلاميين مازالوا يمارسون انتهاكات إرهابية باسم الدين. القاسم المشترك بين الثلاث فئات، هو أنه كما أن هناك أنصاف مثقفين فهناك أيضاً: «أنصاف متديِّنين». ممن لم يستوعبوا الرسالات السماوية، ولطّخوا صفحة الدين بالدم والانتقامات. إن أوضح ما يمكن أن توصف به الأديان أنها دعوة حُب وإخاء وتصافح. لكن هؤلاء لم يفهموا الدرس. لكأنما اتخذوا الدين تِرساً يحمون به جاهلياتهم المُخبأة. و يبدو أن إقناع الناس بوجود الإله لم يكن شاقاً على الأنبياء بقدر إقناع هؤلاء بتحرير أرواحهم من الشرور، وتربية نفوسهم من شهوة الانتقام ونزعة الغضب. المؤسف بحق أنّ هذه الفئة بدأت تمثل ظاهرة اجتماعية بُليت بها الأُمّة. ولأنه لا يوجد في الدين ما يحرّض على العنف بهذه الصورة لا من بعيد ولا من قريب، فمن أين يا تُرى يجدون لأنفسهم مبرراً لردود أفعالهم المقيتة سوى الفهم الخاطئ للدين. الذبّ عن رسول الله واجب ولكن الرسول نفسه لم يكن منتقِماً ولا دموياً، بل رسول تآخٍ وسلام. نقول الآن للقائمين على مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان: هذا وقتكم. [email protected]