تشكِّل الترجمة في المؤتمرات الدولية والمنظمات العالمية ركناً أساسياً في العمل الإداري والتنظيمي للهيئات الدولية، وتحرص هذه الهيئات على التدقيق والاختيار الأمثل للمترجمين، وجميعهم يجب أن يكونوا موثوقاً بهم، ويحصلوا على رخصة قانونية تؤكد أمانة ومصداقية ما يترجمونه. ومع أن قادة الدول يصحبون دائماً مترجمين لهم، بعضهم من الوزراء وكبار المسؤولين، إلا أن في مؤتمرات القمة والتجمعات الدولية تكون الترجمة لأكثر من لغة؛ ففي اجتماعات منظمة الأممالمتحدة يتكون فريق الترجمة من متخصصين في الترجمة للغات الإنجليزية والفرنسية والعربية والصينية والروسية والإسبانية، وهي اللغات الرسمية المعتمدة في المنظمة الدولية، وعادة ما تُسلَّم كلمات الرؤساء لفريق الترجمة، الذي يُعِدّ الترجمة المطابقة لها في اللغة الأخرى، وطبعاً يراقب أعضاء الوفد لذلك الرئيس ما يُترجم؛ حتى لا تُحرَّف كلمات الرئيس أو المتكلم الآخر. طبعاً تحريف واستبدال كلمات أو عبارات في تلك الخطب يشكلان مشكلة، ويقودان إلى أزمة دبلوماسية، ومع هذا فإن بعض الأنظمة غير المنضبطة لا تلتزم بالمعايير الأخلاقية والقانونية، مثلما فعل النظام الإيراني أثناء قمة حركة دول عدم الانحياز؛ إذ تم فرض الرقابة والتحريف السافر لكلمات المسؤولين المشاركين في قمة عدم الانحياز. وإذ كُشف عن تحريف مقصود في كلمتَيْ الرئيس المصري محمد مرسي والأمين العام للأمم المتحدة فلأن هذين المسؤولين الكبيرين كانا يلقيان كلمتيهما مباشرة، وأُمكن متابعة التحريف، خاصة للذين يعرفون اللغة الفارسية، في حين لم يتسنَّ متابعة باقي الكلمات التي لم تُنقل مباشرة، كما أن أعضاء الوفود ليس لهم إلمام باللغة الفارسية، التي لا تعد من اللغات الرسمية للأمم المتحدة. سكرتارية الأممالمتحدة رصدت العديد من التحريف لكلمة الأمين العام للأمم المتحدة، التي غيَّر المترجمون الإيرانيون معانيها تماماً، بل أضافوا كلمات ليست واردة في نص كلمة الأمين العام أو تختلف عنها بشكل تام مثل: (أدعو الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الشفافية مثل السابق في عملها، خاصة في العمل النووي، وأن تتخذ الإجراءات الضرورية لمزيد من بناء الثقة للوصول إلى أهدافها لامتلاك الطاقة النووية السلمية، إلى جانب ذلك عليّ أن أشير حقيقة إلى أنه على أية حال تعاون الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان بناء ومفيداً وإيجابياً). (رجاء تذكروا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها كدولة عضوة في الأممالمتحدة وعضوة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اتخذت خطوات إيجابية، سواء في مجال الطاقة النووية السلمية أو في مجال عدم امتلاك الأسلحة غير التقليدية). (بتصوري أننا استطعنا أن نجد حلولاً أنجع، وهنا باعتقادي أن الحكومة السورية يجب أن تلتزم بمجموعة مبادئ، وتبتعد عن قضايا كثيرة قد تعطي ذرائع بيد بعض الدول). فيما تم حذف كلمات بشكل تام، مثل: (لكن المنع يبدأ من بيتنا بتقوية المؤسسات الديمقراطية وحماية وتأمين حقوق الإنسان، وضمان إشراك المواطنين، وضمان سيادة القانون). وهذا الخرق اللا أخلاقي وغير القانوني تكرَّر مع كلمة الرئيس المصري محمد مرسي؛ إذ إن مترجم تلفزيون النظام بداية قد استبدل في كلمة مرسي حول سوريا مفردة سوريا بدولة البحرين، بينما لم يتحدث مرسي حول البحرين. وكالة وزارة مخابرات الملالي (مهر) هي الأخرى كتبت عند نقل كلمة الرئيس المصري ضد (النظام الظالم السوري وضرورة الدعم الكامل لهذه الثورة) كذباً عنه قائلة (أشار الرئيس المصري في قمة عدم الانحياز السادسة عشرة في طهران إلى المؤامرات في سوريا، وأكد قائلاً: علينا أن نتمنى أن يبقى النظام الشعبي القائم في سوريا على الحكم، وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا لتحقيق الإصلاحات في سوريا، فهذا واجبنا ونهجنا السياسي). هذه الأفعال التي ارتُكبت في مؤتمر دولي يتابعه ملايين من البشر أظهر بوضوح عدم تواني نظام طهران عن ارتكاب أشد التجاوزات، التي تؤكد عدم الثقة به والاعتماد على أفعاله، وهو ما يفرض أن تكون الدول حذرة وحذرة جداً من التعامل معه. [email protected]