هل سمعتم بلعنة الفراعنة؟ كثيراً سمعت بها في السابق، وهي أسطورة محوطة بهالات من المهابة والرعب، وفِكرتها أنّ من يدخل قبور الفراعنة الأموات فإنه يُصاب بلعنة تلاحقه حتى تقتله، وبدأت هذه الفكرة في أوائل القرن الماضي لما اكتشف عالم الآثار البريطاني هاوارد كارتر مومياء الفرعون توت عنخ أمون في عام 1922م ومات بعدها بفترة، ودخل قبر الفرعون أناس آخرون كلهم ماتوا بعدها، ولما بدأت الشكوك تحيط بهذه الأحداث، جاء أحدهم ولفت انتباه الناس إلى أنّ قبر الفرعون قد نُقِش عليه عبارة تقول: «إنّ أجنحة الموت ستنزل على من يدنسون هذا القبر المقدس». وشهق الناس في خوفٍ مدهوش وأيقنوا أنّ هناك لعنة حقيقية تنتظر من يدخلون قبور ملوك مصر الأقدمين، وإلى اليوم وهناك الكثير من الناس – خاصة في الغرب - ممن يعتقدون وجود هذه اللعنة. أما الحقيقة فهي شيء آخر تماماً، والناس في أغلب الأحيان لا يعتنقون الحقائق بنفس الحماس الذي يؤمنون به بالخرافات، ولو كان هذا لأدرك الكثير من هؤلاء أنّ تلك العبارة التي زعموا أنها نُقِشَت على قبر المومياء ليس لها أصل ولا نُقِشَ على القبر أي شيء مثل هذا، وإنما كانت كذبة اختلقها مراسل مكتب مصر لصحيفة بريطانية اسمها ديلي إكسبرس ومنها انتقلت إلى صحف أخرى ومن ثم إلى أذهان الناس، ولا نعرف أي نقش مثل هذا وإنما أقرب شيء هو عبارة منقوشة على قبر آخر للإله «أنوبيس» وكلام النقش: «إنني أنا الذي أمنع الرمال أن تخنق هذه الغرفة المقدسة وأنا أحمي الأموات». ولكن هذا بعيد جداً عن ذاك النقش المكذوب! وزاد الطين بلة أنّ الكاتب الروائي الشهير آرثر كونان دويل – مؤلف شخصية شيرلوك هولمز - زرع المزيد من هذه الخرافات في عقول الناس خاصة مع عشقه للحكايات والأساطير، فسرّب للصحف المزيد من المزاعم عما سمّاه «لعنة فظيعة» وأكّد لهم أنها حقيقة، ولما لوى الناس رؤوسهم تجاه أصحاب المكتشف هاوارد كارتر، أفزعهم أنّ راعيه ومموّل حملته جورج هيربرت مات بعد فتح القبر بأسابيع! غير أنّ الحقيقة أقل تشويقاً من هذا، فسببُ موته لدغة بعوضة ملوّثة، ولكن لما مات زعمت إحدى كاتبات قصص الخيال أنها حذّرت جورج من مغبّة انتهاك قبور الفراعنة وهذا ما زاد أسطورة لعنة الفراعنة اشتعالاً، والشيء الذي لم يعرفه الناس أنّ هذين الكاتبين كانا يكرران حكاية قرآها قبل قرابة قرن، وهي قصة «المومياء» التي كُتِبَت عام 1822م، وفكرتها عن مومياء فرعونية تعود للحياة لتنتقم ممن دنسوا قبرها المقدس، واليوم المومياءات وقصصها مشهورة، ودائماً تأتي في الروايات الخيالية وأفلام الرعب وغير ذلك، أما آنذاك فكانت مجرّد رواية قديمة لم يعرفها إلاّ الأدباء. عودةً إلى مكتشف مومياء الفرعون توت عنخ أمون الذي ذكرناه في البداية وهو هاوارد كارتر، ماذا حصل له؟ ذكرنا أنه مات بعد فتح القبر بفترة، لكن الشيء الذي لم أذكره أنّ هذه «الفترة» بلغت سبع عشرة سنة! المجلة الطبية البريطانية بي إم جي أجرت دراسة دقيقة ومفصلة عام 2002م لتفحص صحة لعنة الفراعنة، فوجدت أنه من بين ست وعشرين شخصاً ممن فتحوا قبر الفرعون توت عنخ أمون، فإنه فقط ستة منهم ماتوا في أول عشر سنين، والباقون عاشوا بعدها ولم يأتهم الأجل إلاّ لاحقاً مثل أي شخص آخر. نستغرب أنه حتى اليوم في هذا العصر الذي انتشر فيه العلم لا زال الناس يؤمنون بمثل هذه الأشياء، لكن أحياناً البشر.. لا يُستغرب من اعتقاداتهم الفاسدة شيء!