أخيرا، وبفضل اختبارات الحمض النووي وغيرها من التقنيات الطبية الحديثة، تمكن العلماء من تحديد المرض الذي يرجح أن يكون وراء موت الفرعون المصري القديم الذائع الصيت توت عنخ أمون رغم أنه توفي عن عمر لم يتجاوز التسعة عشر عاما. فالرجل لم يمت مقتولا ولا نتيجة عملية اغتيال أو تآمر من وزير الدفاع، الذي تزوج زوجته بعد مماته وأصبح فرعونا. بل هو مات نتيجة إصابته بسلالة شديدة القوة من مرض الملاريا إضافة إلى مرض كان يؤدي إلى ضمور العظام لديه. فقد نشرت مجلة الرابطة الطبية الأمريكية في عددها الأخير هذا الشهر نتائج دراسة أجراها عدد من العلماء والباحثين الطبيين البارزين من عدة دول، وتضمنت استعمال تقنيات جينية وإشعاعية متقدمة، واستخلص فيها العلماء أن توت عنخ أمون يرجح أن يكون توفي بالملاريا ومرض العظام. وقد اشرف على مجموعة الدراسة هذه الدكتور زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار في مصر، وتضمنت في عضويتها عددا من العلماء الطبيين من مصر وألمانيا وإيطاليا. وستعرض قناة "ديسكفري" التلفزيونية الأمريكية برنامجا بعنوان "إماطة اللثام عن توت عنخ أمون" يومي الأحد والإثنين القادمين في الولاياتالمتحدة يتحدث فيه حواس وعدد من العلماء الذين شاركوا في هذه الدراسة. وقال العلماء في دراستهم إنه إضافة إلى اكتشاف مرض الملاريا لدى عنخ أمون، كشفت الدراسات التي أجروها عن وجود مرض في العظام كان يعاني منه الفرعون المصري يدعى مرض "كوهلر"، ولكنهم قالوا إن من غير المرجح أن يكون ذلك قد تسبب في وفاة الفرعون. ولكنهم أضافوا أنه كان مصابا أيضا بمرض عظمي آخر يؤدي إلى عدم وصول كميات كافية من الدم إلى العظام ما يؤدي إلى هشاشة خلايا العظام لدى المصاب. وقال العلماء إن هذا المرض ومرض الملاريا هما السببان الأكثر ترجيحا لوفاة عنخ أمون في تلك السن المبكرة. وقال العلماء إن تأثير ضمور العظام لدى الفرعون المصري "لا بد غير شكل قدمه اليسرى"، وهو ما يظهر في صورة موميائه. وأشاروا إلى أن ذلك ربما يفسر وجود عدد من العكازات في قبر الفرعون المصري الذي اكتشفه عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر سنة 1922 في وادي الملوك، وأثار حينها ضجة عالمية كبرى. وتوت عنخ أمون كان أحد فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة وحكم مصر من 1334 إلى 1325 قبل الميلاد في عصر الدولة الحديثة. ويعتبر عنخ أمون من أشهر الفراعنة المصريين القدامى لأسباب لا تتعلق بإنجازات حققها أو حروب انتصر فيها وانما لأسباب أخرى لا تعتبر مهمة من الناحية التاريخية ومن ابرزها اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون اي تلف واللغز الذي احاط بظروف وفاته. فقد كان الكثير من المحللين والمهتمين بالآثار قد اعتبروا وفاة عنخ أمون في سن مبكرة جدًا امرا غير طبيعي وخاصة مع وجود آثار لكسور في عظمي الفخذ والجمجمة وزواج وزيره من ارملته بعد وفاته بفترة قصيرة وتنصيب نفسه فرعونًا. كل هذه الأحداث الغامضة والاستعمال الكثيف لأسطورة لعنة الفراعنة المرتبطة بمقبرة توت عنخ أمون التي استخدمت في الأفلام وألعاب الفيديو جعلت من توت عنخ أمون أشهر الفراعنة. وكان توت عنخ أمون في سن التاسعة من عمره فقط عندما أصبح فرعون مصر واسمه باللغة المصرية القديمة تعني "الصورة الحية للاله أمون"، كبير الآلهة المصرية القديمة في المعتقد الفرعوني. عاش توت عنخ آمون في فترة انتقالية في تاريخ مصر القديمة حيث أتى بعد الملك أخناتون الذي حاول توحيد آلهة مصر القديمة في شكل الإله الواحد وتم في عهده العودة إلى عبادة آلهة مصر القديمة المتعددة.