ابن عمره 10 سنوات يصحى من نومه بالإجازة الصيفية (حزّة الغداء) كي يؤنس والدته ويشاركها الغداء، أثناء تناوله الطعام يأتي والده وبيده سيجارة أشعلها غاضبا كون ابنه لم يوقظه لتناول الغداء، فينهر زوجته أمام مرأى ابنه الذي طاله الضرب المبرّح من يد أبيه، ثم يأكل الأخضر واليابس ليغادر منزله المستأجر قاصدا استراحته، وهناك استبدل الأب دوي الانفجار الذي وقع على مسمع الأم وابنها بضحكات تتعالى لتتجاوز علو الدخان الذي خلفه سجائره ومن حوله من أصدقائه، فيعود متأخرا لمنزله مرتديا قناع السلطة والقوامة الخاطئة ويبدأ يمارس قوته التي منحها إياه ربه على زوجته الضعيفة وطفله المسكين. وبعد أعوام من المعاناة والآلام كبر الطفل وذهب بعيدا كي يكمل دراسته الجامعية رغم قبوله بالجامعة القريبة من منزله إلا أنه فرّط بقربه من أمه، فرّط بحنانها بعطفها باهتمامها والأهم من هذا وذاك مشاركتها هم زوجها وقسوته وضربه لها وكل ذلك لعله يبتعد عن الأوجاع التي خلفها به والده، رحل.. لعله يُريح جسده المثخن بجراح والده. بدأت دراسته الجامعية ولكنه اصطدم بالحاجة لمأكل ومشرب وملبس ومصاريف للكتب والمقررات وغيرها من الضروريات، خصوصا وأن المكافآت باتت قرينة بكلمة المتأخرات، لكنه كسير الجناح حاله ليس كحال غيره فهو ابن لأب لا يهمه إلا سعادته أولا وأخيرا.. أب عديم الإحساس.. أب لا يعرف من القوامة إلا فرد العضلات.. أب يسمع بحق النفقة ولا يعرف معناها، لتبدأ المعاناة الحقيقة في رحلة حياة الابن الذي كان جيداً دراسياً إلا أنه لم يستطع أن يوفر لنفسه شيئاً من مستلزمات الحياة الضرورية ولعل أقلها المسكن والمأكل وذلك ما جعله ينسحب من الجامعة ويجترع الحسرات من كأس أبيه اللا مبالي. فبدأ يهيم الشوارع ليلا، ينام كل النهار، يبحث عن وظيفة بأحلامه، وبالنهاية.. لا نتيجة، يعود بعد ذلك لمدينته وبيته وأمه وأبيه فيجد ذلك الأب القوي عليه والضعيف أمام غيره وقد أعياه قلبه قابعا بأحد المستشفيات الكبرى طريحا في أحد الأسّرة البيضاء وبجانبه زوجته تبكي حزنا عليه، دموع وفاء.. دموع إخلاص.. دموع حب انسكبت مرارا وتكرارا على جسد والده الذي نحُل بصورة مفاجئة وبحلقه غصّة وبصوته بحّة طالبا من ابنه أن يقف بجانبه فهو لا يستطيع الحراك، يريد منه أن يوفر له كل ما يحتاج، ويعتني به.!!! رفقا بأبنائكم وزوجاتكم يا سادة.