بلغة العيون كان الحديث وبمفردات الصمت قدّم لنا أحمد -28 عاما- ابن قرية الفريش قصته مع الإعاقة، التي بدأت منذ لحظة الميلاد. حكاية يتوقف لها نبض القلوب ونحن نرى الارتباط الغريب الذي جمع بين الأم الصبور والابن الأكثر صبرا طيلة ربع قرن من الزمن قدمت فيها الأم نهر حنانها المتدفق حتى كبر أحمد على عالم مختلف.. عالم لا يرى فيه صديقًاولا حبيبًا إلا الأم الطيبة. “المدينة” التقته فى منزله البسيط ووقفت على تفاصيل رحلة المعاناة الطويلة تقول الأم: “لا يمكن لي إنكار مقدار الحب الذي أحمله لأحمد لكني بحق أصبحت عاجزة وغير قادرة على إكمال واجبي تجاه أحمد الذي ولد معاقًا إعاقة كاملة لا يستطيع تحريك جسده وأطرافه أو النطق ولو بكلمة.. كم تمنيت أن أسمع كلمة ماما أو يا أمي فهو لا يستطيع الحركة سواء بإشارة العيون وهي لغة التخاطب بيننا إلا أنه يعلم مدى الحب والحنان المتبادل بيننا فإذا تعبت أو أصابني مكروه فإنه أول من يعلم بذلك عندما احضر إليه أجد الدموع قد تسابقت من عينيه فهو يحاول بطرق مبكية ليعبر لي عما في قلبه من لوعة واشتياق وقلق أثناء غيابي ليريد أحد سواي وأنا لا أستطيع البعد عنه بالرغم من المعاناة إلا أننا لا نستطيع أن نفترق وأعترف أنني تقدمت بالسن وهو كبر وزاد وزنه حتى أصبح من الصعب علي حمله أو تحريكه لقضاء حاجته أو تغيير ملابسه وهو يتيم ومعاق وليس له بعد الله سواي فنحن في قرية لا تتوفر بها جميع الخدمات الصحية فهو لديه مشاكل صحية عديدة لعل أبرزها التشنجات العصبية أو ما يسمى ب “الصرع”، التي تستوجب التدخل الطبي العاجل فأنا أصبحت وحيدة ضعيفة لا حول لي ولا قوة. وقالت الأم: لا أنكر مساعدة من حولي من الجيران ولكن المشكلة أكبر من تقديم بعض الحلول المؤقتة التي تنتهي في حينها. إن تعاليم ديننا وكذلك عاداتنا وتقاليدنا وطبائعنا يحتم علينا التعفف وعدم مد يد العون لأحد ولكن هذا ابتلاء من الله سبحانه تقبلته برضا والاحتساب إلا أنني الآن أخشى أن يعاقبني الله في تقصيري بتقديم ما يلزم تقديمه لهذا المبتلى.