كشف تقرير حديث لمؤسسة النقد العربي السعودي عن ارتفاع حجم قروض الأفراد في البنوك السعوديَّة للربع الثاني من العام الجاري إلى 277.5 مليار ريال، مقابل 246.9 مليار ريال للربع الأول؛ وإذا ما استمر معدل النموِّ الحالي على وتيرته؛ فمن المتوقع أن تزيد نسبة النمو السنوية على 25 في المئة؛ وهي نسبة كبيرة ولا شك. القروض العقارية حققت نموًّا على حساب القروض الاستهلاكيَّة، وهذا أمر إيجابي، إلا أن قروض بطاقات الائتمان استمرَّت في النموِّ برغم تكلفة الإقراض المرتفعة التي تقدّر نسبتها السنوية ب 24 في المئة. ارتفاع حجم قروض الأفراد أمرٌ سلبيٌّ ربَّما أدى، إلى تفاقم المشكلات الاقتصاديَّة؛ الاجتماعيَّة؛ والأمنيَّة مستقبلاً؛ ومن المؤلم ابتلاء أفراد المجتمع بها، أو إدمانهم عليها. من المصائب الإنسانيَّة القاسية، أن يقضي الفرد ما تبقى من عمره، رهينة القروض؛ مقيدًا بأغلال البنوك، وسلاسل الديون وأقساطها الشهرية. القروض الاستهلاكيَّة، آفة من آفات العصر الحديث، بل هي السرطان الذي ينخر جسد المجتمع؛ وبالرغم من قسوتها ومخاطرها، إلا أنها باتت من الأمور الاعتيادية المألوفة لدى المواطنين، حتَّى أدمن عليها الكثير، فلا يكاد ينتهي القرض، أو يوشك على الانتهاء، حتَّى يسارع المقترض إلى تجديده. تشكَّل القروض الاستهلاكيَّة معضلة حقيقية للأسر والأفراد الذين لم يعودوا قادرين على مواجهة أمورهم المعيشية بما تبقى لهم من أجور، ولو أضفنا لالتزاماتهم الائتمانيَّة مستويات التضخَّم المرتفعة لقضي على ما تبقى لهم من ريالات معدودة. ما تقوم به البنوك من عمليات إغراء عبر إعلانات القروض، وبطاقات الائتمان، وما يقابلها من تسهيلات ميسرة للحصول على قروض استهلاكيَّة هو جزء رئيس من مشكلة الإغراق الحالية؛ نسبة النمو المرتفعة في حجم القروض بحاجة إلى مراجعة ووقفة حازمة، حماية للمجتمع من الضياع؛ ما يحتاجه المجتمع السعودي هو تنميَّة مدخرات الأفراد، وحملهم على الاستثمار، والإنتاج؛ لا دفعهم للاستهلاك من خلال توفير القروض الميسرة! وهذا أمر يصعب تحقيقه مع تفشي سياسة «الإغراق الائتماني» المُتسببة في الإدمان على القروض. نحن في حاجة ماسَّة إلى ضبط سياسة الإقراض الاستهلاكي؛ ومعالجة أوضاع المتعثرين والمعسرين الأفراد. أتمنَّى على مؤسسة النقد أن تسهم في معالجة أوضاع المتعثرين؛ والمعسرين؛ بطريقة إنسانيَّة، تحميهم من تعسف المصارف؛ وأن تسارع في وضع معايير خاصة لتحويل مديونية متعثري البطاقات الائتمانيَّة إلى قروض شخصيَّة لخفض تكلفة التمويل، ومساعدتهم على السداد الكلي بدلاً من دفعهم الحدّ الأدنى من القسط الشهري الذي يعادل في مجملة خدمة الدين، مع ثبات أصله؛ ما يعني رهن حاملي البطاقات الائتمانيَّة للبنوك مدى الحياة؛ والنظر في شطب ديون المعسرين الأفراد؛ فهم أحق من الشركات ورجال المال والأعمال، والحكومات المقترضة. [email protected]