لا شك أن شهر رمضان، مدرسة يتخرج منها من وفقه الله، ومن أراد به خيراً سبحانه، وكما قال عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فينبغي للمسلم أن يكون لرمضان دور في حياته، وفي تصحيح وضعه مع الله سبحانه، وكما قال أحد السلف عندما سأل عن قوم يتعبدون، ويجتهدون في رمضان، فإذا خرج رمضان تركوا العبادة والاجتهاد، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان! فرمضان مدرسة لأعمال مهمة، ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، لأنها تقربه من الله عز وجل، وتكون سبباً في دخوله الجنة والنجاة من النار، فالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها مع المسلمين في بيوت الله، أمر مطلوب من المسلم في رمضان وفي غيره من شهور العام، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، يقول ابن سعدي في تفسيره: أي مفروضاً في وقته، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)). وفي رواية ذكرها الألباني في السلسلة الصحيحة: ((فإن قبلت منه قبل سائر عمله، وإن ردت عليه رد سائر عمله))، ومن تمام كمالها، ووسائل قبولها أن تكون في أوقاتها وفي أماكنها التي جعل الله عز وجل لها. وكذلك الصيام، الذي لا يعرفه بعض الناس إلا في رمضان، فتأتي عليه الشهور والأيام ولم يصم يوماً واحداً، وفي الحديث الذي رواه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))، وكذلك قيام الليل، الذي هو شرف المؤمن، وعادة من أهم عادات من أراد الله والدار الآخرة، يقول عز وجل عن عباده المحسنين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}، يقول ابن سعدي في تفسيره: أي: كان هجوعهم أي: نومهم بالليل، قليلاً وأما أكثر الليل، فإنهم قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وتضرع. يعني يفعلون مثل ما يفعل أكثرنا في ليالي رمضان ولكنهم يفعلونه في عمرهم كله، بل ويحبون الدنيا من أجله! هذه الدنيا التي نحبها من أجل متعنا وشهواتنا، ومن أجل مراكزنا وأبنائنا وزوجاتنا، كانوا يحبونها من أجل العبادة، وتذرف دموعهم عند موتهم لفقد الطاعة! فهذا معاذ رضي الله عنه عند موته يبكي بكاء شديداً، ويقول: اللهم إني لم أحب البقاء في الدنيا، لا لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، إنما أبكي لظمأ الهواجر، وقيام الليالي المظلمة، ومزاحمة العلماء بالركب، ومجالسة أناس ينتقون أطايب الكلام، كما ينتقى أطايب الثمر. وأحد الصالحين بكى عند موته فقيل له ما يبكيك؟ فقال: أبكي على أن يصلي المصلون ولست فيهم، وأن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم. ومن العبادات العظيمة، التي تقرب إلى الله عز وجل، وكنا نفعلها في رمضان، وينبغي لنا أن نحافظ عليها: تلاوة كتاب الله عز وجل، لأن في كل حرف نقرأه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، ففي {الم} ثلاثون حسنة حسب قول النبي صلى الله عليه وسلم، والله لو كان الحرف بريال، لما فترت ألسنتنا، ولما كلت حناجرنا من تلاوة كتاب الله تعالى. فلنحرص على تلاوة كتاب الله، بغية الأجر من الله، كما كنا في شهر رمضان. وكذلك الإحسان إلى الفقراء والمساكين، وإطعام الطعام، وحسن الخلق، فهذه الأمور مطلوبة من المسلم حتى في غير رمضان، وبها تثقل الموازين يوم القيامة، والله يقول: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}. فلا بد أن نكون قد استفدنا من رمضان، بالمحافظة على مثل هذه الأعمال، وليكن لنا درس وعبرة في انتهاء شهر رمضان، بأن هذا الشهر قد مر من أعمارنا، وقد دنونا من آجالنا بمقدار شهر كامل، فالذي بقي على أجله شهر وأيام، فقد مضى الشهر وبقيت فقط الأيام، فلنستعد للرحيل، لأن الاستعداد للرحيل ركن من أركان التقوى، التي هي ثمرة من أهم ثمار الصيام، وأركان التقوى هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد للرحيل، كما عرفها الصحابي الجليل والخليفة الراشد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فالذي لم تكتمل عنده هذه الأركان الأربعة، ولم يجدها في نفسه بعد رمضان فقد تكون فائدته من صيامه وقيامه الجوع والعطش والتعب نسأل الله السلامة والعافية. فلنتق الله ولنحافظ على ما اعتدنا عليه من أعمال صالحة، وقربات نافعة، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)) وكما قيل: قليل دائم خير من كثير منقطع. * حائل