في قمتهم المنعقدة في مكةالمكرمة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، لاريب أن زعماء العالم الإسلامي مستعدون للصبر والتحمّل، والدأب والنزاهة والتجرّد والزهد والريادة والكفاح والموهبة والشجاعة والبطولة والنَفَس الطويل. يعرف الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولأنه ينتمي إلى الحاضر والمستقبل، أن المسلمين لا يستطيعون أن يحيوا في نعيم أحضان الحاضر والمستقبل، ويتجنبوا الاحتمالات المُفجعة، إلا إذا عرفوا كيف يقرأون ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم قراءة مُركبة، تتخطّى عين ال(أنا) الضيقة والمنحازة، لترى بالبصر والبصيرة ماذا ولماذا يعاني المسلمون الكوارث المُتلاحقة في عدد من الدول الإسلامية، وماذا يوجد عند (الآخر)، أي آخر، وكيف يُمكن فهم الوقائع والأحداث المعقدة والمتشابكة، الظاهر منها والخفي، والتي صنعها وتشارك فيها جميع قادة العالم وشعوبهم، سلباً وإيجاباً. إذا كان عبدالله بن عبدالعزيز يقول بالحوار، والنأي بالعقول والنفوس، وطنياً وإسلامياً، عن تأجيج النعرات المذهبية والعنصرية والطائفية، فهو يعني قراءة مُعمقة للحاضر، بل أيضاً للمستقبل. قراءة التاريخ قراءة موضوعية، تجعل المسلمين كافة أحراراً وعظماء. تجعلهم يتوصلون إلى المصالحة مع الذات ومع الآخرين جميعاً، المصالحة التي هي نتيجة صفحٍ عن الماضي، ووعي متبادل بالأخطاء، ورفض اعتبار الفريق الآخر وحده المذنب. أما طمْس التاريخ أو تجنّبه أو تفاديه أو محوه أو تغييبه أو تشويهه أو تكذيبه أو تزويره، أو... فيُبقي المسلمين صغاراً وعبيداً. هكذا، ليس على زعماء المسلمين اليوم سوى أن يُقرروا ويختاروا بين أن يكون المسلمون أحراراً وعظماء، أو أن يكونوا أقزاماً وعبيداً. في العالم الإسلامي، بالطبع، مؤرخون راسخون في العلم والمعرفة وبُعد النظر، لكن إلى الآن لا أحد من الأطراف يريد أن يقرأ التاريخ، أو يُنصت إلى وصاياه ومواعظه وتحذيراته وتنبؤاته والتوقعات. كأن القطعان في العالم كله، مأخوذون بمفاهيم الغلبة والهزيمة، مشغوفون بسرابات الربح والخسارة، يهوون وضع اليد، ولا يعرفون العيش إلا تحت يد الانتصار، أو يد الأوصياء والوصايات.. ولذا، نرى كيف أن وقائع التاريخ.. تُذبح، ومعها احتمالات الأمل في الحاضر والمستقبل. عبدالله بن عبدالعزيز يقترح، في مؤتمر قمة التضامن الإسلامي الاستثنائي، طريقة مركبة لقراءة التاريخ، ليس لأنه مولعٌ بسلبيات كل الماضي، إنما، خصوصاً، لأنه يؤمن بالحياة، الآن وغداً، ويريد من المسلمين أن يؤمنوا بها، وأن يحبوها، وأن يعيشوها بشغف، وبرغبة، وبحرص على عدم إضاعة فرص التنعّم بالأمل. و إلا فإن في التاريخ، دائماً، تلال من العظام البشرية، التي هي علامة سوداء من علامات الحمقى اليائسين. [email protected]