الخدمة الخاصة ليست وليدة اليوم فتاريخنا الإسلامي يحتوي على نماذج للخدم والموالي في البيوت والمساكن حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم كان لديه خادم، وقد أحسن معاملته، وأرشدنا إلى حسن المعاملة مع من هم تحت أيدينا، وفي نفس الوقت فإنه لم يشجع ابنته فاطمة على من يساعدها في منزلها. وقد كانت الخدمة المنزلية في العصور الإسلامية محدودة لكبار القوم، وكانت أقرب إلى الظاهرة في حقبة العصر العباسي ولاسيما بعد رغد العيش في تلك الفترة؛ واليوم ومنذ أربعة عقود من الزمن بدأت ظاهرة الحاجة إلى (خدمة منزلية) تطفو على السطح بقوة، وارتفع أعداد (الخادمات) بالوطن إلى أرقام ربما تصنف بالعالية، وتوازي أعداد وحداتنا السكنية، واللافت أن عدوى (الخدم) لم تقتصر على قاطني المدن الكبيرة والمحافظات، بل إن (فيروس) العمالة المنزلية توغل في القرى والهجر النائية، والتي كان وصول امرأة عاملة إليها ضربا من الخيال. وإذا آمنا بهذه الضرورة في الوقت الحاضر للأسرة الكبيرة أو من لديها من يحتاج إلى رعاية منزلية لظروف المرض والإعاقة مع خروج الأم والبنت إلى العمل في خدمة الوطن فيكون هذا مقبولاً، وقضية غير قابلة للجدل كثيراً، ولكن أن تشترط (العاملة) مع عقد الزواج، وفي بداية تكوين العش الزوجي فهذا يدخل في دائرة الإسراف والمباهاة، والأدهى هو استقدام أكثر من (خادمة) للأسرة الواحدة. وحيث إننا مجتمع إسلامي، ونظراً لوجود الحرمين الشريفين فبلادنا جاذبة للعديد من الجنسيات من فئة الخدم في بلاد عربية وآسيوية، وحتى إفريقية، ولكن تبقى العمالة الإندونيسية والفلبينية هي السواد الأعظم من العاملات، وتبقى الجنسية (الإندونيسية) هي المطلب الأول، لكن في ظل الأزمة (العمالية) القائمة، ومشاكل الاستقدام مع دولة إندونيسيا، والتي (تأزمت) بسبب تأخر الوصول إلى شروط ترضي الطرفين بعد أن رفعت الحكومة الإندونيسية من شروط سقف الاستقدام وتصدير العمالة المنزلية منها بما لا يتناسب مع تطلعات المجتمع السعودي، إضافة إلى اتجاه سياسة الاستقدام الفردي لدينا إلى نظام الاستقدام عن طريق الشركات، ومن ثم توجه إلى الأفراد من خلال شروط جديدة، لا نعلم حتى الآن كيف سيكون الاستثمار في هذه التجارة (الوليدة)، وكل هذه العوامل جعلت هناك أزمة تلوح في الأفق، بل ربما ظهرت وأصبحت بداية ظاهرة سلبية تسمى (السوق السوداء)، لتجارة البشر لفئة العمالة المنزلية، وأصبحنا نسمع أرقاماً فلكية (مالية)، سواء لإعارة خادمة، أو نقل كفالتها، بل حتى الإيجار الشهري للضرورة. على ضوء ما سبق أصبحت (العاملة المنزلية) المرأة المدللة، ولم تعد من (سقط المتاع)، والكل يحيطها بالرعاية وحسن المعاملة، وربما تقدم لها الهدايا، ويراعى خاطرها حتى لا (تنحاش)، أو تطلب السفر والرحيل إلى بلادها، وهي تعرف أن بيتاً سعودياً بلا (خادمة) -أو أكثر- لا يمكن تصوره في الوقت الحاضر، وهذا اعتقاد إيجابي، ولاسيما أننا احتلينا مع الأسف المركز الثالث على المستوى العالمي تفوقاً في عنصر الكسل والخمول، حسب دراسة طبية نشرتها مجلة (لانسيت)، من بين 122 دولة، ورأت الدراسة أن نسبة الخمول تزيد مع تزايد العمر، وخاصة لدى النساء اللاتي يعشن في الدول الغنية، وأخشى أن نكون فائزين بالمرتبة الأولى عالمياً في كثرة النوم، وشراهة الطعام، وبالتالي (داء السمنة)، وأرجو أن يكون لنا نصيب من الدعاء النبوي (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل). والسيدة (الخادمة) في البيت السعودي عليها أن تتحلى بأعلى درجات الصبر وتتحمل الأعمال الشاقة، وأن يكون لديها أربعة أيد وقلب سليم لا يكل ولا يمل، وألا تنام من الليل إلا قليلاً وتتقن فن الطبخ والكوي والغسل، ويكون لديها (كونترول) حاضر ودقيق وذاكرة بل (ملف) متكامل بمحتويات المنزل، والقائمة تطول فهي مع ما تقدم من خدمات جليلة تناوب تحت الطلب (24 ساعة)، وربما كان لها زيارة لحظيرة الحيوانات إذا وجدت. إن القائمين على (بورصة العاملات) درسوا ذلك بشكل جيد وعرفوا أن المنزل السعودي لن يستغني عن هذه (الجوهرة) فنشأت السوق السوداء في وقت مبكر والتي أثقلت كاهل المواطن (مالياً) ومعنوياً فأصبح يفتح عينيه عن كل خبر جديد وإعلان مفرح عن شركات الاستقدام الجديدة والتي أشبه بالسراب وهو يحاول أن يعرف هويتها ونحن كمواطنين لا نعرف كيف ستقدم تلك الشركات لنا هذه (العمالة)؟؟!! وهل عرفت ظروف البيت السعودي؟! وطريقة التعامل معه؟! وهل نالت جرعات تدريبية؟! ثم ماذا عن تاريخها الصحي؟! وهل هي محصنة من الأمراض المعدية؟! والمحجرية؟ وأخيراً كيف ستعالج شركات الاستقدام ظاهرة توقف الخادمات عن العمل؟! أو هروبهن؟! أو مشاكلهن مع الأسرة؟!! أم سيبقى المواطن هو (الضحية) التي ترسم حولها الأحزان ويبقى في دوامة لا تنتهي بسمع من خلالها عبارة مألوفة (راجعنا الشهر القادم) وربما العام القادم رسالة إلى المسؤولين عن (الاستقدام) الشركات لديكم أمانة نرجو النزاهة ومكافحة الفساد ومزيداً من الإشراف والمتابعة.. وإلى اللقاء. [email protected] الرس