في معرض الحديث عن ثقافات الشعوب قرأت أن الاميركان لا يحبون الاستعانة بأحد في إصلاح اعمالهم المنزلية، فهم الذين يطلون السياج بالصباغ ويقصون العشب ويقومون بأعمال الصيانة والنظافة في منازلهم، وحتى لو اتصلت بشركة لنقل أثاثك، فعليك أن تفتش عمن يعاونك في حمل الأثاث، فالشركة سترسل لك سيارة نقل من دون عمال وحتى عند محطة البنزين لن تجد من يخدمك فأنت من سينزل من السيارة ليصب البنزين في سيارته، نحن الخليجيين جعلنا رخص العمالة وتوافرها اللامنضبط في بلادنا نستسلم للخمول حتى أضر ذلك بقيمة احترام العمل لدينا واختفى لدينا الدافع للاعتماد على النفس، بل وحرمتنا من التعلم واكتساب المهارات الجديدة، فحالما يخرب شيء في منزلك تفتش رأساً عمن يقوم بإصلاحه، ولو كان هذا الشخص عديم المهارة يخرب أكثر مما يصلح، ثم يطلب منك نقوداً، وأصبحنا نتعامل مع خدم المنازل كضرورة حياتية حتى ان سيدة خليجية اتصلت تشكو سوء حالها وفقرها، فقالت إنني أستطيع أن أحضر خادمة، وأذكر أنني كنت أشاهد سعوديات يعملن مراسلات في مؤسسات حكومية يتحدثن عن وجود خادمات لديهن، أصبح الخدم في منازلنا بأهمية أفراد العائلة تستطيع أن تعرف قيمتهم حين يأتي وزير للعمل ويضبط التأشيرات ويثور الجميع ضده، أو حين تمتنع سفارة أجنبية عن منح فيزا للخادمة. في مطلع الثمانينات عندما بدأت ظاهرة العمالة بالتفشي خرج علينا المنظرون والمختصون في علم النفس والاجتماع والتربية ليطلقوا التحذيرات المرعبة حول أن الخدم سيهددون الهوية الاسلامية واللغة العربية، ولكن بعد 30 عاماً عرفنا أن الخدم كانوا أضعف من أن يهددaوا لغتنا وهويتنا، لكنهم خربوا علاقاتنا الأسرية وخربوا مفهومنا نحو تقدير العمل والاعتماد على النفس، وشاعت مظاهر الكسل والخمول وتكريس مفهوم أن قيم النظافة والترتيب والعمل المنزلي هي من مهام النساء فقط ثم زادت فصارت من مهام الخدم. في الأسبوع الاول من إجازتنا طلبت من ابني أن يحمل حقيبته لغرفته، فتساءل ولماذا لا يقوم بهذا العمل حامل حقائب؟ لكننا بعد أسبوع أصبحنا بشراً حقيقيين سرت حيوية العمل في دمائنا، بل صرنا نحب ما نفعل ونقدر ما يفعله الآخرون من أجلنا، شاهد أبنائي كيف يكوي أبوهم ثيابه، وابني المراهق تعلم أن يغسل الثياب بالغسالة، وابنتي تعلمت كوي ثيابها واحتفظت بأثر حرق صغير على يدها، لكننا في الأخير صرنا بشراً طبيعيين نخدم أنفسنا ونمتنّ لبعضنا على المساعدة. لقد سلبتنا هذه الظاهرة ظاهرة اعتمادنا على الخدم الحيوية في العلاقات بين الأبناء والأزواج، وساهم نقص المؤسسات المساعدة للأسرة، من سرعة اعتمادنا عليهم، أن مشواراً بالسيارة للمدرسة يقوم به السائق بديلاً عن الأب، أو الأب لا يسرق فقط الوقت في العلاقة لكنه يسرق معه حكايات وأسئلة وعواطف تنمو بين الأب وابنه، لذا لا تستغرب بعد 30 عاماً أن يخرج علينا جيل من الباحثين عن الراحة والرفاهية، والحكومة هي المسؤولة عن توفير كل هذا. [email protected]