صداقة الأصدقاء في المجتمع وزمالة الزملاء في المهنة مثل الروافد الجارية القوية التي تصب في نهر الحياة فتجعله يتدفق بماء المحبة والألفة والطمأنينة في ديمومة مؤنسة. وعندما يتوقف أحد هذه الروافد فجأة يبدو للروافد الأخرى جميعها أن النهر قد تكدر صفوه واضطرب تدفقه. هكذا كان الحال عندما فوجئنا بفقد زميلنا وصديقنا الحبيب الدكتور عبد الكريم الأصقة، حيث وافاه الأجل المحتوم وهو قائم بعمله في العيادة. لقد صدمنا، فالفاجعة مؤلمة. ولم يبق لنا منه إلا الذكرى الطيبة والوفاء لهذه الذكرى، وإنا لموتك يا عبد الكريم لمحزونون. أما زوجته وأولاده النجباء الذين هم أشد الناس إحساساً بفقده فلا نملك إلا أن ندعوالله أن يحسن عزاءهم وأن يعينهم على مقابلة هذا المصاب الجلل بسلاح الصبر والإيمان. هذا الرجل كان فخراً للطب بما جسده من نموذج مثالي للطبيب الانسان الذي عاهدنا أنفسنا أن نكونه عندما اخترنا مهنة الطب، فكان هو ممن أفلحوا في الوفاء بهذا العهد. لم يبتعد عن هذا النموذج قيد أنملة منذ دراسته للطب في ألمانيا خلال الستينيات الميلادية حتى آخر لحظة في حياته -رحمه الله. في ممارسته الطبية كان مشهوداً له بحسن الخلق وطيب المعاملة للمرضى، يقابلهم بابتسامة ووجه بشوش، ويستمع بأناة وتواضع واهتمام إلى شكواهم. كان يطبق بصدق وعناية مبدأ المريض أولاً وآخرا. حافظ على ذلك وقتما كان منصرفاً إلى ممارسة عمله في مستشفى الملك خالد الجامعي ثم بعد أن تقاعد وصار يمارس بعض الوقت في مجمع طبي خاص مع ثلة من زملائه. كان مثال الطبيب السعودي المخلص الذي يتمناه كل مريض. لا يقل عن ذلك تفانيه في عمله الأكاديمي في كلية الطب بجامعة الملك سعود كأستاذ للطب الباطني حظي بحب طلابه واحترام زملائه. كان من أوائل الأطباء السعوديين الجامعيين الذين خدموا وطنهم ومجتمعهم بالبحث العلمي. على سبيل المثال شارك في دراسة وطنية موسعة عن الطب الشعبي في المملكة بتمويل من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في عام 1405ه . و له عدة بحوث حول مرض الحمى المالطية، كما أنه كان الباحث الرئيسي في دراسة وطنية كلفته بها وزارة الصحة عام 1408ه عن مدى انتشار الحمى المالطية في المملكة، ولم يترك لنفسه فرصة للراحة حتى أتم هذا البحث الهام فى موعده. و منذ أن أدخلت وزارة التعليم العالي نظام التعاون بين أعضاء هيئة التدريس والقطاع الخاص عام 1412ه كان يرى أن الإفراط فى تطبيق هذا النظام له تأثيره السلبي على مدى الالتزام تجاه المرضى وتجاه الطلاب و تجاه البحث العلمي، و لذلك التزم بالساعات المحددة فى النظام عند تعاونه مع إحدى المؤسسات الطبية الخاصة ولم يصرفه ذلك عن الوفاء بكامل التزاماته تجاه مرضاه وطلابه و سائر أنشطته المعتادة في المستشفى الجامعي. و عندما شارك في بعض السنوات مع فريق الأطباء الاستشاريين الجامعيين الذين انتدبتهم وزارة الصحة للعمل في أثناء موسم الحج بذل قصارى جهده مع زملائه لتدريب الأطباء المشاركين فى الحج بالإضافة إلى خدمة الحجاج و العمل على إيجاد حلول علمية تقنية مبسطة لعلاج ضربات الشمس التى كانت تصيب أعداداً كبيرة من الحجاج في مواسم الحر القائظة. رحمك الله أيها الطبيب الإنسان وأكثر من أمثالك.