ابن فتنان من شعراء قحطان وشجعانهم أصابته حاجة فقصد آل حميد مشايخ برقاء يسترفدهم، وقيل إن ما معه أخذ منه في الطريق. فأولم له ابن حميد ودعا كبار قومه وعرض عليهم حال ابن فتنان، ثم رمى عند البيت أربعين عقالاً، والعادة أن من أخذ عقالاً أحضر مكانه ناقة، ومن أخذ أكثر أحضر بمقدار ما أخذ، فأحضروا له أربعين ناقة لقاح، فبنى بيته وبقي عندهم سنين على عشرة طيبة ثم عاد إلى جماعته وهو يحمل لهم منة عظيمة. وكان عند عباس بن علوش بن حميد فرس أصيل نادرة مشهورة، أصلها من هدباء خيل ابن مضيان شيخ الظواهر من حرب، وكان ابن حميد شريكاً لأحد الحربيين في هذه الفرس، فاشتراها ابن حميد بقيمتها ستين ناقة ودفع للحربي ثلاثين ناقة، فصار لهدبا ولبنتها صيت عظيم، وقد وقعت في إحدى المعارك وراكبها من الحمدة، فأخذها الخنافر من قحطان، فبعث آل حميد إلى مجدل بن فتنان ولد صديقهم يطلبون منه السعي في أداء الفرس وكان مريضاً، فاعتذر بالمرض، وقال: إن سلمت جاءتكم فرسكم وإن مت فليست الفرس أغلى مني وقد مات مجدل. ومن شعر عباس بن علوش بن حميد في هذه الفرس (وقد شح بها بيعاً أو عطاء) قوله: يا سابقي حالي سويٍ لحالك حبك سطا بالقلب ما فيه تشكيك سويت من زين البيادي جلالك وأربع تحت صم الحوافر توقيك وحب الشعير من البلد يشترى لك أيضاً ومن در العرابا نبديك باغي إلى سرنا وقل العشالك وإلى اللحم مترفعٍ في علاويك ضلعٍ زما دونك وضلعٍ زمالك يبون بدوٍ حودروا من ورا ريك يا سابقي يا زين صفّت حبالك ويا زين باطراف السبايا تمدريك كم مهرةٍ قبّا لجت في ظلالك من وسع وسرك قيلت بين أياديك تبين فكة مقصر في حبالك لا رفعوا لقطيهن المساليك وله أيضاً عدة قصائد منها قوله: لا قودوها ستة أيام عدهن يشوفون نشرٍ مع جذيبٍ مال أخذت سروالٍ ورمحٍ مزرج وثوبٍ جديدٍ واعتصبت بشال تكسر لحس الخيل من خلف ذيلها ريمية تكسر لحس غزال وكان شعر عباس هذا في الأم هدبا. أما بنتها التي أبى القحطانيون ردها فقد انطبق عليها مصطلح (ثالم) ذلك أن الفرس التي تغير لا ترد، وكذلك الذلول المنذرة كل هذه لا ترد، وتسقط الحقوق المتعلقة بها إذا غارت عليهم أو أنذرت بهم. إلا أن آل حميد لم يسكتوا عن فرسهم، فبعد موت مجدل بن فتنان أثاروا أخاه منيفاً بالمراسلات والقصائد فطالب بها منيف جماعته فرافعوه إلى العوارف (قضاة البدو) فترافعوا عند عوارف آل حميد شويمي وخباب وخالد فحكموا على آل حميد بأن مثل هذه الفرس لا ترد إلا أن الشيخ محمد بن هندي لم يقتنع بذلك وأكثر المراسلة لمنيف، ومن ضمن هذه الرسائل هذه القصيدة لتني أبو عبية على لسان ابن هندي: يا راكب ملحا من الدارباتِ مامونةٍ من نابيات الحصيره تلفي منيفٍ حامي الجاذياتِ ريفٍ لربعه في الليال العسيره ياما ذبح من فاطرٍ غير شاة لا ركبت غبر الليال الضريره رمايهم لا قل هوش الرماة وخيّال لا جاء بالدبايل سعيره السابق اللي مثل وصف المهاةِ ومن الفهد فيها حلايا وسيره الذيل مركوزٍ بوسط القطاة والساق ناعور على جال بيره إلى آخر القصيدة.. ولكثرة الإلحاح على ابن فتنان سعى في الفرس وشدد على جماعته حتى كاد يكون بسببها فتنة حتى أدركها فأرسلها لآل حميد ومعها قصيدة يبين لهم أنه خلص لهم الفرس لأجل جميلهم السابق، مع العلم أنه لا حق لهم فيها، لأنها أخذت وهي مغيرة على قحطان، وقد حكم عليهم عرافوهم. سعود بن بدر المقاطي * من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية: منديل بن محمد بن منديل آل فهيد.