هو في وجدان كل مسلم في كل وقت، يعيش معه في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فهو بهذا المعنى مقيم في القلوب، مستقر في النفوس، وإنما نسميه ضيفاً؛ لأنه في موقعه الزمني العملي يأتي في كل عام مرة واحدة، يأتي شهراً كاملاً مليئاً بالخير والبركة والنقاء، ترفرف فيه السعادة بأجنحتها في قلب كل مسلم مؤمن بربه، قائم بفرائضه التي فرضها على عباده. إنه الضيف الكريم (رمضان)، ولكنه صاحب الدار حقيقة لا مجازاً، فهو الذي يكرم الصائمين بنفحاته الإيمانية، وهو الذي يدعوهم إلى فنائه الفسيح الجميل، فناء الصيام والقيام، وقراءة القرآن، والصدقة، والعطاء الجزل، والتآلف والتعاطف، وتسامي الأرواح عن سيئ الأقوال والأعمال، هكذا يأتي شهر رمضان المبارك، شهر القرآن (أنزل فيه القرآن)، وشهر النصر والتأييد، فكثير من المعارك الحاسمة التي انتصر فيها الحق على الباطل وقعت في رمضان، وما غزوة بدر الكبرى عنا ببعيد، وشهر الصدقة والجود والعطاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان إذا دخلت العشر الأواخر كالريح المرسلة في جوده وعطائه، وهو شهر الصبر والمصابرة بالصيام عن الطعام وعن سيئ الكلام، وقبيح الأفعال، وهو شهر التسامح والتغاضي عن السيئة حرصاً على سلامة الصيام (فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم). إنه الضيف الكريم الذي قال فيه ربنا عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، والذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه (جُنَّة) في قوله (الصوم جُنَّة) والجُنَّة هي الشيء الذي يحتمي به الإنسان مما يسوؤه؛ ولهذا سمي الترس (المجنَّة)، وقيل هي ما يوضع على رأس المقاتل ليحتمي به من ضرب السيوف، وهو تعبير نبوي بليغ، فلنا أن نتصور جُنّة الصيام وهي تحمينا من الذنوب والآثام. إشارة: أيها الضيف الحبيب أنت من روحي حبيب حينما أقبلت أهدى عطره الروض القشيب وشَدَتْ أطيار حبي وتغنى العندليب رمضان الخير أهلاً ثم أهلاً يا حبيب أنت للقلب المعنَّى من مآسيه طبيب جئت يا أعظم ضيف وعلى الأرض لهيب في نواحيها من الطغيان والظلم كروب وعليها من أعاصير الأباطيل هبوب جئتنا والشام تبكي قد علا فيها النحيب جئتنا يا ضيفنا والحال في الدنيا عجيب فتجلى منك فجرٌ وبدا نصر قريب نحن ندعو الله يا شهر الهدى وهو مجيب