عبر تاريخه الطويل، حمل أدونيس راية الحداثة فكان فارسها الأمين بحيث عمل على ترويج تعاليمها إلى الحد الذي جعل منه «كاهن الحداثة» بلا منازع، ومضى يؤسس لفكر جديد، معلنا ثورة شاملة على كل الموروثات بلا استثناء، بالإضافة إلى النقد الجديد، والرؤية الجديدة للشعر والشاعر باعتباره يخلق أشياء العالم بطريقة جديدة، بالإضافة إلى علاقة جديدة مع التراث الشعري العربي الذي بدأ بإرسائها في كتابه» الثابت والمتحول» بأجزائه الثلاثة، تتبلور في قوله:»نحن لا نبدع المستقبل إلا في لحظة تتصل جوهريا بالأمس والآن، وإذا حاد الآن عن الأمس فلغرض واحد: أن يتجه نحو المستقبل....»(1) وهو تماما ما قصده من ثنائية الثابت والمتحول، حين يدعو إلى خروجنا من الثبات أي الجمود في الماضي والانطلاق منه نحو التحول أي التجديد والانعطاف نحو آفاق لم تكن مطروقة قبلا. 2 - مستر هايد: أدونيس أيضا كشف أدونيس عن هشاشة الحداثة التي يعتنقها في أكثر من موقف له، فهو على صعيد الشعر والنقد لم يكن أمينا لنظريته الشعرية والنقدية التي أطلقها، وإن بدا حداثيا ثوريا إلا أنه يكرس لمفاهيم رجعية يغلب عليها تفرد الذات والتعالي على الآخرين وبخاصة «في ادعائه التأسيس المطلق لذلك قلما أقر بمصادره على حد قول الأستاذ كاظم جهاد.»(2) وفي قراءة ثقافية لشعر أدونيس يجد د. عبدالله الغذامي أنه يروج لنموذج الفحل بإعلانه أن هذا الزمن هو زمن الشاعر» وفي ذلك عودة رجعية إلى زمن الشاعر /العراف وزمن القصيدة/ السحر.»(3) وعلى صعيد أوسع، كان سقوط الحداثة التي يدعيها أدونيس في تصريحاته التي أدلى بها حول قضية منع الحجاب في فرنسا، فقد عبر عن تأييده لقرار المنع من منطلق أن المسلمين الفرنسيين هم من المهاجرين وهم لذلك يعدون أقلية، وواجب على هذه الأقلية أن تندمج مع الأغلبية لاغيا بذلك حق الاختلاف الذي نصت عليه كل المواثيق الدولية ومبادئ الديمقراطية، «فهو لا يقبل التعدد والمخالفة،على أن أخطر ما عنده هو بناء حججه على مفهوم (الأقلية) من جهة ومفهوم (التوجه السياسي) من جهة أخرى.»(4) وتظهر المفارقة الكبرى من هذا المثقف الثائر على كل شيء في تصريحاته حول ثورة الكرامة السورية، فقد اتخذ منها موقف المعارض لا لشيء إلا لأنها خرجت من الجوامع، بل وشكك في إمكانية عدها حراكا شعبيا مقزما التضحيات التي قدمها الشعب فهي ثورة يقوم بها أشباح! * ويبدو ذلك مستغربا فعلا من مثقف « صفق» سابقا للثورة الإسلامية في إيران وعبر عن احترامه لها لأنها كانت خيار الشعب! بينما يرى صادق جلال العظم أنه احترمها لأن من قام بها هي ذات الطائفة التي ينتمي إليها أدونيس! يبدو أننا مع أدونيس أمام نوع جديد من الحداثة فهي رجعية من جهة وطائفية من جهة، بل يبدو أدونيس في ذلك انتقائيا يأخذ من كل ذلك ما يناسبه ويلغي ما عدا ذلك، فإن لم تكن معي فأنت ضدي بمعنى ما، كما فعل سابقا»في انتقائه من التراث ما يؤيد أفكاره فهو حين ينتقد الفكر الإسلامي نجده يركز على الشافعي فقط...كما نجده يأخذ تعريف الشعر عن أحد الفقهاء «الغزالي» ليثبت وجهة نظر تبناها مسبقا قبل قراءته للتراث.»(5) وليس المقصود بكل ما سبق مصادرة لرأي أدونيس، ولكن ذلك يعد خيانة_لنستخدم المصطلح ذاته الذي وصف به فرنسا في خيانتها لمبادئ الثورة الفرنسية_** منه للمبادئ التي طالما ادعى أنه يعتنقها، ما يوقعه في ازدواجية لا تقبل من مثقف بمثل مكانته. 1- ماجدة حمود: علاقة النقد بالإبداع الأدبي، وزارة الثقافة دمشق 1997، ص47