عظيم هو الألم، وعظيمة هي الفاجعة، وكبيرة تلك المصيبة التي سقطت على عقولنا وقلوبنا صادمة مفاجئة، تلك هي وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ولكننا لا نملك إلا أن نقول ما يرضي الرب: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك يا نايف لمحزونون، ونسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة والغفران، ونرفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدق التعازي وخالص المواساة بهذا المصاب الجلل. لقد كان رحمه الله ركنًا أساسًا في بناء الدولة السعودية وإقامة مؤسساتها وركنًا ركينًا في بناء رفعتها وسموها، حتى غدت دولة يشار لها بالبنان، وتقف لها أمم الأرض، وتحني رؤوسها لها. وكل ذلك طرزه رحمه الله بدور عظيم ومؤثر في محاربة الإرهاب العالمي، والإرهاب الداخلي الذي هدد كيان الدولة، فكان السيف المسلول في وجه الفئة الضالة الباغية، فقمعها بسيف الحق، حتى كشف الله به الغمة، وأزال عنا الغصة التي عانت منها المملكة. وفي هذا المقام نستذكر مآثر الفقيد الكبيرة، لنستخلص من حياته المشرفة مآثره وآثاره الطيبة التي ملأت السمع والبصر، فهو قد تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره، مساندًا لأبيه المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ثم مساندًا لإخوانه الملوك من بعده، فاضطلع رحمه الله بمسؤوليات جسام بدأها وكيلاً لإمارة منطقة الرياض، ثم أميرًا لها، ثم نائبًا لوزير الداخلية، ثم وزيرًا لها، ثم نائبًا ثانيًا إلى أن تولى ولاية العهد خلفًا لأخيه الأمير سلطان رحمه الله. لقد شغل أمن الوطن فكر الأمير نايف وتفكيره، ومع ذلك فإننا نلمح صورة إنسانية أخاذة ميزت حياته وكان لها نصيب واسع من أنشطته وأعماله، هذه الصورة هي حبه للدين الذي تلقاه تعليمًا وتطبيقًا منذ صغره على أيدي العلماء والمشايخ، ولذا حرص رحمه الله على رعاية الأنشطة الدينية وتجلى ذلك في رعايته جائزة السنة النبوية، وهي جائزة عالمية مخصصة لدعم الباحثين والعلماء في مجالات السنة وعلومها، ورعايته مسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز لحفظ الحديث النبوي، واهتمامه الشديد بخدمة ضيوف الرحمن بإشرافه المباشر على الخدمات المقدمة إليهم في المشاعر المقدسة. ولم يقتصر اهتمامه رحمه الله برعاية العلوم الدينية والتشجيع عليها، بل رعى العلم عامة والمتعلمين من خلال إنشائه الكراسي العلمية، مثل كرسي الأمير نايف للوحدة الوطنية، وكرسي الأمير نايف للأمن الفكري، وكرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية. لم تكن مسؤولياته رحمه الله أمنية فقط، بل كان رجلاً مؤثرًا في مختلف مناحي الحياة في المملكة، ففي المجال السياسي كان حضوره متميزًا دائمًا، ولطالما ناب عن أخيه خادم الحرمين الشريفين في كثير من المحافل العربية والدولية والخليجية، ومثل المملكة في كثير من المؤتمرات. وفي مجال الدعم الإنساني والخيري لم يألُ سموه رحمه الله جهدًا في دعم جمعيات الداخل ورعايتها، ولم يكن خير نايف ليعم البلاد السعودية فحسب، بل امتد إلى محيطه العربي والإسلامي والعالمي من خلال إشرافه شخصيًا على لجان وحملات الإغاثة والعمل الإنساني لمشاريع جمع التبرعات الشعبية والحكومية التي تتبناها المملكة للشعوب المنكوبة أو المتضررة، وكذلك دعمه اللا متناهي لجهود الإغاثة للشعب الفلسطيني، واعتماده تنفيذ عدد من المشروعات الإنسانية للمتضررين في الحروب، وتقديم المساعدات الغذائية ودعم الأسر الفقيرة والجرحى والمعوقين وبناء المساكن الخيرية، وتقديم الأدوية والمساعدات الطبية. وفي المجال الاقتصادي كان له رحمه الله مشاركات فاعلة من خلال رئاسته الهيئة العليا للأمن الصناعي، ورئاسته مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة، وخاصة بعد توليه رحمه الله ولاية العهد، وكذلك رئاسته مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية، الذي يعنى بتنمية الموارد البشرية داخل المملكة. ومن بين هذه المسؤوليات الجسام، والأنشطة الكثيفة تطل علينا صفات الأمير نايف الشخصية التي تميز بها، وأولها حبه للعلم وطول الأناة وقد ظهرت هذه الصفة في تعامله مع أبنائه من السعوديين المغرر بهم، الذين استهوتهم بعض الفئات الضالة، فتعامل معهم رحمه الله باللطف واللين تارة، عبر إشرافه على برنامج المناصحة حتى يعودوا إلى جادة الصواب، أو بالحزم تارة أخرى. وصفتا الحزم واللين فيه رحمه الله كانت تطوقهما صفة جامعة هي صفة التواضع، فقد كان لين الجانب بشوش الوجه، متهللاً مبتسمًا، حتى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات. ويكمل هذه الصفات ويجملها قوة في الشخصية، وثبات على المبدأ، جعلت منه رجل المواقف الصعبة، ورجل المهمات التي ينوء بحملها الرجال ويعجز عنها أشدهم مراسًا وشكيمة. ولقد ظهرت قوة شخصيته في أحاديثه ولقاءاته وحواراته، التي كشفت عن لباقة في الحوار، وسعة أفق في الأخذ والرد، مع قوة في الحجة، وقدرة على الإقناع. وإننا في مكتبة الملك فهد الوطنية، وقد آلمنا هذا الخبر الفاجع - قد عكفنا منذ تولي سموه رحمه الله ولاية العهد، وبتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، ورئيس مجلس أمناء المكتبة، على إعداد كتاب يتناول سيرة الأمير نايف، ويضم حصرًا ببليوجرافيًا لخطبه وأقواله وما كتب عنه داخل المملكة وخارجها. وإننا في المكتبة لنرفع مرة أخرى أحر التعازي، وصادق المواساة في هذا المصاب الفادح الجلل إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وإلى أصحاب السمو الأمراء إخوان الفقيد وأبنائه وبناته. سائلين الله عز وجل أن يجزل مثوبته، ويرحمه، ويدخله فسيح جنته. أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية المكلف