فقدت بلادنا والأمتان العربية والإسلامية والعالم أجمع أمير الأمن وسمو الإنسان نايف بن عبد العزيز، وما أعظمه من فقد وأفدحه من مصيبة خلفت في القلوب حزناً لا تصفه الكلمات، لكنها سُنّة الله في خلقه ومشيئته في عباده؛ فلا نقول أو نكتب إلا ما يرضيه عز وجل. إن في تاريخ الشعوب عظماء يخلد الزمان ذكرهم، وتشكر الأجيال فعلهم وصنيعهم، وتسكن في الأفئدة محبتهم وودادهم، وقد تجلى معنى هذه الكلمات كالشمس الضاحية للجميع وهم يشاهدون الحزن يخيم على المملكة بادية ملامحه على وجه الوالد القائد يحفظه الله وترتسم علاماته في وجوه أبناء هذا الوطن قيادة وشعباً على أميرنا الراحل. إن الحديث عن مناقب العظماء صعب مستصعب؛ فمآثرهم تجل على الحصر، ويستعصي على المرء إيفاؤها حقها من الثناء والشكر، وفقيدنا الرمز أحد هؤلاء العظماء الذين قدموا لدينهم ووطنهم وأمتهم الكثير من جليل الأعمال وعظيم الإنجازات، ولعل من أبرزها ما قدمه سموه يرحمه الله للأمن في بلاد الحرمين الشريفين والمنطقة بأسرها على مدى سنوات طويلة منذ توليه مسؤولية وزارة الداخلية، وكذلك تقلده الرئاسة الفخرية لمجلس وزراء الداخلية العرب. لقد أسهمت حكمة سموه وبعد نظره ومتابعته اللصيقة للعمل الأمني في مختلف مواقعه وما رسمه من استراتيجيات أمنية بعد توفيق الله تعالى وفضله فيما تنعم به بلادنا من أمن وأمان رغم الأخطار الجمة التي مرت بها المنطقة والظروف العصيبة التي استهدفت المملكة من جرائم إرهابية نفذتها جماعات فاقدة للحس الوطني والفهم الصحيح للدين الإسلامي، ورغم جسامة التهديد الذي هز أركان العالم وعانت منه الكثير من الدول فقد استطاعت المملكة بقيادة سموه دحر هذا الخطر والقضاء عليه عبر العديد من الوسائل التي أصبحت نموذجاً لدول العالم في محاربتها ظاهرة الإرهاب وكذلك في مختلف القضايا الأمنية التي هي مثار اهتمام العالم ومنها على سبيل المثال لا الحصر (أمن الحشود)؛ حيث أصبحت المملكة في ظل قيادة سموه لجنة الحج العليا مقصد الخبراء والباحثين في مجال أمن الحشود؛ حيث نجح سموه من خلال رئاسته هذه اللجنة ومتابعته اللصيقة والمباشرة في جعل موسم الحج موسم أمن واطمئنان في مشهد يطالعه العالم عبر قنواته في رهبة ودهشة من هذا التنظيم المحكم والأداء المذهل لجميع الأجهزة الأمنية والاجتماعية ذات العلاقة بأمن الحج. كما جعل سموه يرحمه الله أمن المواطن العربي على امتداد الوطن العربي الكبير نصب عينيه ومحط اهتمامه من خلال رئاسته الفخرية مجلس وزراء الداخلية العرب، وكانت هذه الرئاسة والقيادة من أهم أسباب نجاح هذا المجلس الذي يعد أنجح مشروع عمل عربي مشترك. وعبر هذا المجلس غرس سموه شجرة طيبة وارفة الظلال هي جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وتعهدها بالرعاية والعناية حتى أضحت بيتاً للخبرة الأمنية العربية ومنارة للعلوم الأمنية يستضيء بنورها رجال الأمن عربياً ودولياً، فخريجوها هم قادة قطاعات الأمن في الدول العربية وإصداراتها العلمية أثرت المكتبة الأمنية العربية، وأصبحت المراجع العلمية الرئيسة للباحثين في علوم الأمن المختلفة. لقد نقل سموه الأمن نقلة نوعية من المفهوم الضيق للأمن بشقه الشرطي إلى فضاء رحيب هو مفهوم الأمن الشامل الذي تتبناه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بتوجيه سموه؛ فعم خيره الجميع. لقد كان سموه وبحق رجل الأمن العربي الأول وصاحب المبادرات التي أصبحت استراتيجيات ونظريات وأقوالاً مأثورة في مجال الأمن. إن اهتمام سموه بالعلوم الشرعية والأمنية تظهر ملامحه جلية في كراسي البحث العلمي في الجامعات وفي مراكز الدراسات التي أنشأها في مختلف أنحاء العالم وفي الجوائز التي تحمل اسمه الكريم خدمة لدينه وأمته. ولعلي أذكر من مواقف سموه الشخصية التي تدعم العلم وطلابه رعايته الدائمة حفل تخرج الجامعة السنوي، وحرصه على أن يصافح جميع الخريجين تكريماً لهم وتشجيعاً لهم بما يشعرهم باهتمام سموه وتقديره لهم وحرصه عليهم؛ ليدفعهم بذلك إلى بذل المزيد من الجهد والاستفادة مما تعلموه في خدمة أوطانهم. كما أنه لا يمكن إغفال الجانب الإنساني الذي يُعدّ من أبرز سمات شخصية الراحل العظيم واهتمامه بعمل الخير وإغاثة المنكوبين والمحتاجين؛ حيث كان سموه يرأس لجان جمع التبرعات الخيرية للدول الإسلامية التي بكته معنا يوم فقده، ومهما سطر القلم في هذا الجانب فلن نوفيه حقه، وقد أبانت الأيام القلية الماضية عقب وفاة سموه الكثير مما خفي على الناس من أعمال سموه الخيرية, وقد لامسنا في جامعة نايف عن كثب الكثير من مواقف سموه الإنسانية المؤثرة مع منسوبي الجامعة فيما لا يتسع المجال لذكره - جعلها لله في ميزان حسناته . إننا إذ فقدنا أمير الأمن بين ظهرانينا في هذه الحياة الفانية فإن سموه باق بيننا أمناً صنعه، وعلماً ينتفع به من خلال جامعته وكراسي بحثه، صدقة جارية تعم بنفعها العباد، وشعباً محباً يدعو له. إننا إذ نعزي مولاي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله والأسرة المالكة الكريمة ونعزي أنفسنا والعالم أجمع في أميرنا الراحل فإنها لحظات لتجديد العهد أن نحفظ سموه في الأمن الذي نعيشه بفضل الله تعالى ثم بجهده ورجاله المخلصين. نشهد الله يا سيدي أن مصيبة فقدك عظمت علينا وجلت، لكنه الحكم الفصل، والسنة التي لا تبديل لها، سائلين الله تعالى أن يجزيك عن أمتك خير الجزاء، وأن يلقيك نضرة وسروراً في جنات النعيم، وأن يوفق خلفك صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية على أداء الأمانة واستمرار الرسالة، وأن يجعله خير خلف لخير سلف تحت القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين أيده الله . يا أمير الأمن عليك تحية الرحمن تترى برحمات غوادِ رائحات. فالناس كلهم لفقدك واجد في كل بيت رنة وزفير عجباً لأربع أذرع في خمسة في جوفها جبل أشم كبير و{إنا لله وإنا إليه راجعون}. مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام - جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية